الكلمة التي لا تبني
الاعتداء الإلكتروني أو التنمر عبر الإنترنت يحدث عندما يتلقى شخص أو مجموعة من الأشخاص رسائل إلكترونية مسيئة .
Diana Baetelu, 18.12.2024, 15:30
الاعتداء الإلكتروني أو التنمر عبر الإنترنت يحدث عندما يتلقى شخص أو مجموعة من الأشخاص رسائل إلكترونية مسيئة . فبحسب تقرير أصدره مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات في عام 2023 تعرض حوالي نصف شباب بلدان الاتحاد الأوروبي للاعتداء الإلكتروني وتلقى تسعة وأربعون بالمائة من الشباب الأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة عشرة والتاسعة والعشرين رسائل إلكترونية عدائية .
وفقا لتقرير يوروستات تأتي إستونيا في مركز الصدارة بنسبة تسعة وستين بالمائة من الشباب الذين تلقوا مثل هذه الرسائل عبر الإنترنت تليها الدنمارك بنسبة تقارب تسعة وستين بالمائة ففنلندا بثمانية وستين بالمائة ففرنسا بخمسة وستين بالمائة . ويظهر تقرير مكتب يوروستات أيضا أن هذه النسبة زادت عن خمسين بالمائة في اثنتي عشرة دولة من أصل ثلاث وعشرين دولة تتوفر لدى المكتب بيانات بشأنها. أما الدول الأوروبية التي تأتي في أسفل القائمة فهي كرواتيا بأربعة وعشرين بالمائة فرومانيا بسبعة وعشرين بالمائة فبلغاريا بواحد وثلاثين بالمائة
والجدير بالذكر أن المراهقة هي مرحلة حساسة في حياة الإنسان تتكون فيها الهوية الذاتية و ينمو احترام الذات ويقوم المراهق بتطوير علاقاته الاجتماعية وهي أيضا المرحلة التي تزيد فيها خطورة آثار التجارب السلبية على صحته العاطفية والعقلية.
وفي الغالب يتمحور خطاب الكراهية عبر الإنترنت حول آراء سياسية أو اجتماعية حيث مثل هذا النوع من المحتوى حوالي خمسة وثلاثين بالمائة من مجموع الرسائل الإلكتورنية المسيئة على المستوى الأوروبي بسحب تقرير يوروستات وبمعدل ستين بالمائة في إستونيا وستة وخمسين بالمائة في فنلندا وتسعة وأربعين بالمائة في الدنمارك.
أما الرسائل العدائية التي استهدفت مجتمع الميم فقد مثلت نسبة اثنين وثلاثين بالمائة من مجموع الرسائل الإلكترونية المسيئة الموجهة إلى شباب البلدان الأوروبية مجتمعة ولكن أعلى النسب سجلتها إستونيا بمعدل ستة وأربعين بالمائة فسلوفاكيا والبرتغال بأربعة وأربعين بالمائة للكل . بالإضافة إلى ذلك واجه ثلاثون بالمائة من شباب بلدان الاتحاد الأوروبي رسائل كراهية وذات طابع عنصري فيما مثل المحتوى العنصري خمسة وأربعين بالمائة من مجموع الرسائل الإلكترونية المسيئة في كل من هولندا والبرتغال بخمسة وأربعين بالمائة للكل.
نورا إيناكي طبيبة نفسية عملت مع شباب من مختلف الفئات العمرية تعرضوا للإساءة العاطفية سواء عبر الإنترنت أو بطرق أخرى . وخلصت إلى أن التنمر عبر الإنترنت يحدث طيفا واسعا من الاضطرابات العاطفية. سألنا نورا كيف يؤثر التنمر عبر الإنترنت على احترام الشباب لذاتهم وصحتهم العقلية:”احترام الذات هو نتيجة تقدير يقوم به كل فرد لتحديد قيمته وله تأثير كبير على موقفه من نفسه . أما إذا نظر الفرد إلى نفسه عبر عدسة الإنترنيت فإن الأفراد الذين يتفاعل معهم على مواقع التواصل الاجتماعي يشكلون مرآة اجتماعية يرى فيها ذلك الشاب كيف ينظر إليه الآخرون .
الخطر الذي ينطوي عليه التفاعل عبر الإنترنت يكمن في أنه ليس كل من نتفاعل معهم يعرفوننا جيدا وليس كل من نتفاعل معهم يريدون لنا خيرا وليس كلهم يقيموننا بشكل صحيح. كما أن الفضاء الافتراضي ينطوي على متغيرات كثيرة ولذلك يصعب تحديد كل الأسباب التي تجعل من الفضاء الإلكتروني بيئة غير مناسبة لتطوير الذات “.
بعبارة أخرى فإن المرآة التي نرى فيها أنفسنا على الإنترنت تتكون من شظايا كثيرة يمثل كل منها فردا مختلفا وشخصية مميزة .إنه عالم خيالي يصر على أن يتحول إلى العالم الواقعي للشاب في سن المراهقة الذي غالبا يكون في حيرة من أمره ولا يزال يبحث عن الذات .. إنها لعبة خطيرة للغاية يمارسها عالم الإنترنت وحرب خفية ترتدي أشكالا مختلفة وتتجلى في علامات شتى بحسب نيورا إيناكي :” العلامات التي تشير إلى أن الشاب أصبح ضحية للبيئة الافتراضية هي الانزواء والعزلة وعدم التركيز . وفي الغالب تكون الأسرة وليس الضحية هي التي تطلب المساعدة بعد ظهور هذه التغيرات في سلوك الشاب “.
كلنا يعلم إنه من الصعب على الآباء أن يفرضوا قيودا على الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الشاشات كما أنه من الصعب أيضا تفادي تداعايات الإساءة عبر الإنترنت ولكن علاجها ممكن ومتاح . فالطب النفسي أوجد السبل الكفيلة بإزالة الآثار الضارة للإساءة عبر الإنترنت على الرغم من أن رسالة مسيئة واحدة يمكن أن تتسبب في انهيار العالم الداخلي للشاب:”الصدمات التي تحدثها التجارب السلبية على الإنترنت يمكن أن تؤدي إلى الرهاب الاجتماعي. ولكن خلال جلسات الاستشارة يتدخل الطبيب النفسي باستخدام أساليب إعادة الهيكلة المعرفية التي تساعد ضحية الاعتداء عبر الإنترنت على التعرف على الأفكار السلبية التي تولد المشاعر والسلوكيات غير الصحية كما تساعده على مكافحة تلك الأفكار وتغييرها . وفي الوقت نفسه يقوم الطبيب النفسي بتدريب ضحية التنمر على الإنترنت على الاسترخاء العقلي والمراقبة الذاتية واستخدام سبل طوير المهارات الاجتماعية.”