خمسة وثلاثون عاما على دخول وسائل منع الحمل إلى رومانيا
تاريخ الصحة الإنجابية في رومانيا لا يخلو من الصفحات السوداء والمآسي خاصة بعد إقرار النظام الشيوعي قانون حظر الإجهاض عام 1966
Diana Baetelu, 30.10.2024, 15:30
تاريخ الصحة الإنجابية في رومانيا لا يخلو من الصفحات السوداء والمآسي خاصة بعد إقرار النظام الشيوعي قانون حظر الإجهاض عام 1966 بهدف تسريع النمو السكاني . إلا أن تداعيات القانون على حياة العديد من النساء كانت مأسوية للغاية . أثناء الحقبة الشيوعية كان استخدام وسائل منع الحمل يلامس الإجرام وكان القانون يجرم إنهاء الحمل ويفرض عقوبات صارمة على الأطباء أو النساء على حد سواء .
أما اليوم فما هو موقف الرومانيين من وسائل منع الحمل ؟ أندرادا تشيليبيو- الناشطة النسوية في مركز فييليا وخبيرة الحقوق الجنسية والإنجابية لديه الإجابة: “مما لا شك فيه أن معدلات استخدام وسائل منع الحمل منخفضة في رومانيا بسبب عدم توفير هذه الوسائل مجانا من جهة وبسبب عدم إدراج مادة التربية الجنسية الشاملة في الرنامج الدراسي من جهة أخرى . وفالأمر مثير للقلق فعلا نظرا لتزايد معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا ومع ذلك فإن هذه الأمور لا نكاد نتحدث عنها ولا تزال شؤون الصحة الإنجابية والحقوق الجنسية من المحرمات للأسف .
ما يثير القلق أيضا هي حالات الحمل بين المراهقات فضلا عن حالات الحمل غير المرغوب فيها بصورة عامة . مقلقة أيضا هي نظرة المجتمع الروماني إلى وسائل منع الحملوكون كثيرين من الناس يخلطون بين الإجهاض ووسائل منع الحمل . لذلك نسعى إلى ضمان وصول كافة النساء إلى وسائل منع الحمل إضافة إلى المعلومات والتثقيف الجنسي والوسائل الآمنة لإنهاء الحمل ولكن للأسف نلاحظ أن المجتمع الروماني سجل تراجعا على هذا المضمار على مدى السنوات العشر الماضية مقارنة بما كان عليه في العقد الماضي”.
أوضحت أندرادا تشيليبيو أنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أنشئت في رومانيا شبكة واسعة من عيادات التخطيط العائلي التي كانت تقدم المشورة المختصة أثناء مناقشات فردية مع المرتادين حول وسائل منع الحمل والمخاوف المتعلقة بالعلاقات الجنسية والحمل وغيرهما من جوانب الصحة الإنجابية. وكانت تلك العيادات توفر أيضا وسائل منع الحمل مجانا. ولكن الأطباء الذين كانوا يعملون فيها أحيلوا إلى التقاعد قبل أن يقوموا بتدريب أخصائيين آخرين ليحلوا محلهم فيما بعد ما أدى إلى نقص للموارد البشرية .
ولكن من جانب آخر شهد العقد الأول من القرن الحالي تقدما ملحوظا في هذا المجال تحقق في إطار المساعي الرامية إلى انضمام رومانيا إلى الاتحاد الأوروبي والتعهدات التي قطعتها رومانيا على نفسها ضمن تلك المساعي ومن بينها ضرورة الالتزام التام بمعايير معينة . جمهورية مولدوفا تمثل نموذجا إيجابيا بهذا الصدد حيث توجد فيها عيادات للشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين عشرة أعوام وأربعة وعشرين عاما تقدم لهم خدمات الصحة الإنجابية مجانا.
إذا من أين يمكننا استلهام الممارسات الحسنة في هذا المجال ؟ أندرادا تشيليبيو:”أفضل الأمثلة بهذا الصدد هي نماذج التربية الجنسية الشاملة المطبقة في دول الشمال وفي المملكة المتحدة وهولندا .ففي بعض من هذه الدول تدرس التربية الجنسية منذ مرحلة الطفولة وتقدم المعلومات بطريقة يسهل على الأطفال فهمها . فالمعلومات تقتصر في البداية على أمور بسيطة مثل مسألة الاستقلال الجسدي على أن تتطور تدريجيا مع تقدمهم في السن لتشمل العلاقات العاطفية والجنسية الصحية.
كذلك نجد أمثلة على الممارسات الحسنة فيما يتعلق بإنهاء الحمل في هولندا وفرنسا وهذه الأخيرة أدخلت الحق في الإجهاض في الدستور.وفي إسبانيا على سبيل المثال يوجد برنامج ناجح لتوزيع وسائل منع الحمل مجانا . والحقيقة أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي أقرت خططا وطنية في هذا المجال وتوفر وسائل منع الحمل مجانا للمراهقين والشباب وأيضا للفئات الضعيفة.أما رومانيا فتنتمي إلى مجموعة الأقلية التي لا توفر وسائل منع الحمل مجانا لأحد .”
في الربيع الماضي أطلق مركز فييليا دراسة بعنوان “العناية بالديمقراطية والمصالح السياسية للمرأة في عام 2024” خصص فيها فصلا لمدى انتشار استخدام وسائل منع الحمل من قبل الرومانيات . فقالت سبعة وثلاثون بالمائة من المستطلعة آراؤهن أنهن استخدمن وسائل منع الحمل في السنوات العشر الماضية كما تبين أن اثنين وستين بالمائة منهن لم يستخدمن مثل هذه الوسائل ورفضت الإجابة نسبة واحد بالمائة من المستطلعة آراؤهن.
أما النساء اللاتي استخدمن وسائل منع الحمل ضمن العينة المعنية فإن ثلاثة وستين بالمائة منهن استخدمن الواقي الذكري وخمسة وخمسين بالمائة استخدمن حبوب منع الحمل وأثنين وأربعين بالمائة اعتمدن طريقة العزل وثمانية وثلاثين بالمائة استخدمن طريقة التقويم وأربعة وعشرين بالمائة استخدمن حبوب منع الحمل (ولكن كوسيلة طارئة فقط) بينما قلت نسبة استخدام الوسائل الأخرى الأكثر توغلا مثل اللولب الرحمي أو ربط البوق أو زرع وسائل منع الحمل.
دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر ملفتة إلى الانخفاض المثير للقلق لاستخدام الواقي الذكري من قبل المراهقين الأوروبيين . فقد أجرت منظمة الصحة العالمية دراسة استقصائية بين عامي 2014 و2022 على عينة تضمنت أكثر من مئتين وأربعين ألف مراهق في اثنتين وأربعين دولة أوروبية.
وأظهرت النتائج أن استخدام الواقي الذكري من قبل المراهقين في سن الخامسة عشرة انخفض بنسبة تسعة بالمائة بين عامي 2014 و2022 – من سبعين بالمائة إلى واحد وستين بالمائة. أما نسبة استخدام الواقي من قبل المراهقات فقد انخفضت في الفترة نفسها من ثلاثة وستين بالمائة إلى سبعة وخمسين بالمائة . وأظهرت الدراسة أيضا أن ثلاثين بالمائة من المراهقات واثنين وعشرين بالمائة من المراهقين النشطين جنسيا في رومانيا لم يستخدموا الواقي الذكري ولا وسيلة أخرى من وسائل منع الحمل أثناء آخر اتصال جنسي .
أندرادا تشيليبيو:”لاحظت أن العديد من المراهقين يفضلون المواد الإباحية كمرجعية رئيسية حول الممارسات الجنسية الآمنة. فكثيرون منهم في حيرة من أمرهم ويصدقون الخرافات والصور النمطية ويشعرون بالقلق على مظهرهم الخارجي ويشعرون بالخوف من العلاقات العاطفية أو الجنسية وما إلى ذلك.
ففي غياب تدخل الأسرة أو المدرسة لمساعدتهم وتوفير المعلومات الصحيحة المثبتة علميا نرى المراهقين متروكين لمصيرهم للأسف ما قد يؤول بهم إلى إقامة علاقات جنسية غير مناسبة يتعرضون فيها لممارسات غير مقبولة بما فيها العنف . ولذلك نحتاج إلى توفير التربية الجنسية الشاملة للمراهقين حتى بدون موافقة الوالدين فضلا عن خدمات الصحة الجنسية الملائمة للشباب.”