الحمامات العامة والخاصة وسياحة العلاج في إمارتي مولدوفا وفالاهيا
المجتمع الروماني عرف الحمامت العامة ابتداء من القرن الثامن عشر
Diana Baetelu, 15.06.2024, 15:30
كان الحمام العام منذ قديم الزمان مكانا يوفر للمرتادين وسائل الحفاظ على النظافة الشخصية ممزوجة بوسائل الترفيه والتواصل الاجتماعي في أجواء مريحة ومسترخيةولكنه كان أيضا مكانا ملائما للتسامح مع سلوكيات خارجة عن الأعراف التي لم تكن مقبولة في أي مكان آخر. المجتمع الروماني هو الآخر عرف الحمامت العامة التي بدأت تنتشر في أمارتي مولدوفا وفالاهيا مع زيادة النفوذ العثماني فيهما ابتداء من القرن الثامن عشر.
المؤرخ تيودور دينو بحث تاريخ الحمامات وسياحة العلاج في الإمارتين في النصف الأول من القرن التاسع عشر وتوصل إلى استنتاج أن الحمام التركي لم يكن أول مصدر إلهام لبناء هذا النوع من المرافق :”أولى الحمامات العامة ظهرت في اليونان القديمة ثم جاء الدور على الرومان القدامى لطويرها وتحويل الاستحمام إلى ثقافة للرفاهية . فحمامات الرومان القدامى لم تكن توفر للزبائن النظافة الجسدية فحسب بل أيضا يضا أيض المتعة والترفيه . بعد انهيار إمبراطورية روما القديمة انتشرت الحمامات العامة في الإمبراطورية البيزنطية ثم في العالم الإسلامي الذي أصبح فيه الاستحمام تجربة رائعة متميزة لتعدد طقوسها. ولكن مع انحسار النفوذ التركي في الإمارتين الرومانيتين وانتشار الحضارة الغربية بعد عام 1821 أخذت الحمامات العامة الشرقية في الاختفاء “.
الحمام الشرقي المبني على الطراز التركي والذي كان منتشرا في إمارتي مولدوفا وفالاهيا لم يرق إلى مستوى الأصل ومع ذلك كان له أهميته للحضارة المحلية التي ما لبث حتى أضفت عليه بعض الملامح المحلية: “ظهرت الحمامات العامة التركية في الإمارتين الرومانيتين منذ القرن السادس عشر في عهد الأمير إلكساندور ميرتشا الذي كان قد قضى سنوات طويلة منفيا إلى مدينة حلب. في القرن السابع عشر أمر الأمراء المنحدرون من عائلة كانتاكوزينو المرموقة ببناء عدد من الحمامات العامة ولكن طريقة تصميمها لم تلتزم تماما بالنموذج الشرقي الأصلي. فمن المعروف أن العثمانيين اعتبروا المياه الراكدة نجسة لا يجوز الاستحمام بها وبالتالي فإن الحمامات العامة التركية لم تعرف الأحواض التي نعرفها اليوم بل كان الماء المسخن يوضع في أوعية ويسكب منها على الجسد. أما في حمامات بوخارست فكان الناس يستحمون في أحواض بمياه دافئة بحسب الوثائق العائدة إلى أوائل القرن التاسع عشر .
من المعروف أيضا أن الاستحمام على الطريقة الشرقية كان مصحوبا بطقوس عديدة زادت من متعة الزبائن وأبرزها التدليك والرش بماء الورد. كما كان المرتادون يحتسون القهوة الساخنة المحضرة من البن المحمص للتو ويدخنون الغليون . وقد أضاف الرومانيون إلى الطقوس الأصلية تلك بعض العادات المحلية كشرب الخمور وإحضار فرق العازفين وإقامة السهرات الصاخبة حتى ساعات متأخرة من الليل حتى اضطر حكام بوخارست إلى حظر عمل الحمامات العامة بعد الساعة العاشرة مساءً . معنى ذلك أن الحمام العام كان يمثل بيئة متساهلة مع سلوكيات خارجة عن الأعراف .”
إلى جانب الحمامات العامة المبنية على الطراز التركي ظهرت في منازل الأغنياء حمامات خاصة حتى أصبح عددها يتجاوز عدد الحمامات العامة . أشهر الحمامات الخاصة وجدت في قصر عائلة غوليسكو المرموقة قرب مدينة بيتيشتي.
في القرن التاسع عشر انتشرت أيضا في كلا الإمارتين سياحة العلاج حيث كان كبار الإقطاعيين والموظفين يسافرون مرارا إلى حمامات هيركولاني غربي البلاد: “كانت حمامات هيركولاني الوجهة المفضلة لدى الإقطاعيين والموظفين الكبار رغم أن الرحلة كانت مزعجة وشاقة بسبب رداءة حالة الطريق في جنوب إمارة فالاهيا واضطرار الرحالة إلى عبور جبال الكاربات إلى مدينة براشوف ومنها إلى هيركولاني .
إذاَ كان عليهم عبور حدود الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على إمارتي فلاهيا ومولدوفا آنذاك إلى منطقة ترانسيلفانيا التي كانت جزءا من الإمبراطورية النمساوية وذلك في وقت اتسمت فيه العلاقات بين الجانبين بالتوتر. كما صوب الأغنياء من الرومانيين أنظارهم إلى مراكز سياحية أخرى مماثلة ومن بينها بروسيك الموجود أيضا في إمارة ترانسيلفانيا وكارلسباد في تشيكيا الحالية وبادن بادن بألمانيا .”
تطور سياحة العلاج كان أبطأ في إمارتي فالاهيا ومولدوفا مقارنة بإمارة ترانسلفانيا :”كانت حمامات هيركولاني أول مركز لسياحة العلاج في رومانيا الحالية أما في الإمارتين فكانت حمامات بوبوشتي بإمارة مولدوفا أول مركز من هذا النوع فيهما وكان يقع قرب بلدة صغيرة اكتشفت فيها في عام 1820 مياه معدنية ذات خصائص اسثنائية ذاع صيتها ليس بين سكان المنطقة فسحب بل أيضا بين سكان بوخارست . ونجد في إمارة فالاهيا أيضا حمامات بوتشيواسا التي كان يرتادها النبلاء الروس بالإضافة إلى حمامات بالتا ألبا التي اشتهرت بالطين الطبي المسخرج من البحيرة التي تحمل نفس الاسم .وكان بالتا ألبا أجمل مركز من نوعه في إمارة فالاهيا. “