معهد الإعلام والتوثيق الفني
الاطلاع على تاريخ المؤسسات والمعاهد يساعدنا ليس على اكتشاف الماضي فسحب بل أيضا على التعرف على أعمال من عملوا فيها روتينية كانت أواستثنائية
Diana Baetelu, 25.05.2024, 15:30
الاطلاع على تاريخ المؤسسات والمعاهد يساعدنا ليس على اكتشاف الماضي فسحب بل أيضا على التعرف على أعمال من عملوا فيها روتينية كانت أواستثنائية. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتولي الشيوعيين السلطة بعد عام 1945 بدعم مباشر من جيش الاحتلال السوفييتي انطلقت في رومانيا عملية واسعة وشاملة استهدفت جميع المؤسسات القديمة باعتبارها أدوات لقمع الطبقة العمالية في أيدي الأنظمة السابقة وذلك لتغيير طبيعتها أوتدميرها نهائيا واساتبدالها بأخرى جديدة .
ولكن إحدى المشاكل الكبرى التي واجهها الحزب الشيوعي بعد توليه السلطة تمثلت في نقص المختصين وخاصة المهندسين والفنيين الذين النظام كان بأمس الحاجة إليهم في سعيه إلى تحويل الاقتصاد الرأسمالي السابق إلى اقتصاد مركزي خاضع لسيطرة الحزب الشيوعي. بهذا لصدد تجدر الإشارة إلى أن النقص الشديد للكوادر كان النتيجة المباشرة والفورية لعملية التطهير الواسعة التي أقدم عليها الشيوعيون بعد وصولهم إلى سدة الحكم والتي أدت إلى سجن نخبة رومانيا من علماء ومثقفين وخبراء لاعتبارات عقائدية بينما كانت نخبة جديدة حديثة النشأة تحاول أن تحل محلهم لتلتزم حرفيا بتعلميات الحزب والمتطلبات الإيديولوجية.
كان معهد الإعلام والتوثيق الفني في رومانيا الذي تأسس في عام 1949 المؤسسة التي تولت مهمة جمع المعلومات وإعداد التقارير حول مدى تطور التكنولوجيا في البلاد.
المهندس غيورغي أنغيل كان مديرا عاما لمعهد الإعلام والتوثيق الفني. وفي عام 2003 تطرق في حديث لمركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية إلى بدايات المؤسسة :” أصبح معهد الإعلام والتوثيق الفني في رومانيا بمرور الوقت مركزا علميا مرموقا وكان أحد أفضل المؤسسات من نوعه في بلدان الكتلة الاشتراكية. وكان مختصون من بلدان عديدية يزورننا لإجراء تبادل للخبرة والاطلاع على طريقة تنظيم عمليات التوثيق في رومانيا. وإلى جانب المعهد المركزي كان هناك أربعة وعشرون مكتبا للتوثيق متوزعة على مختلف المجالات والقطاعات وانهمكت هي الأخرى في الترويج لأحدث متكسبات التكنولوجيا في المجالات التي كانت تعمل فيها .”
اتخذ معهد الإعلام والتوثيق الفني من مبنى في وسط بوخارست مقرا له وكان من حيث التنظيم صورة طبق الأصل عن المعهد النظير في الاتحاد السوفييتي . وكان المعهد يملك مكتبة ضخمة احتوت على مجموعات كبيرة من الكتب والمجلات المتخصصة ووجدت فيها قاعة قراءة كبيرة لاستضافة الراغبين في الاطلاع على الجديد في مجالات تخصصهم .
كان المعهد يقوم بتنظيم المعلومات التي كانت تصله من مكاتب الإعلام والتوثيق المختصة بحسب غورغي أنغيل:”لم يقتصر نشاط المعهد والمكاتب الفرعية على استلام الكتب والمجلات بل كان المطلوب منها أن تقوم بالترويج لمحتوياتها . وكانت أقسام المعهد المختلفة تقوم بتحليل المعلومات الموجودة في المجلات والكتب المتخصصة وإبلاغ الجهات المعنية بوجود محتوى مهم في هذه المجلة أو تلك فضلا عن تصوير الفهرس وتنظيم المواد تمهيدا لتوزيعها على المشتركين . وكان موظفو المعهد يستخرجون المعلومات المهمة لعرضها لاحقا على المختصين والخبراء “.
لم يسلم معهد الإعلام والتوثيق الفني من صرامة الرقابة الشيوعية رغم طبيعة عمله الفنية الصرفة. غورغي أنغيل من جديد : “بعض المجلات الموجودة في مكتبتنا كان الاطلاع عليها ممنوعا على عامة القراء لاحتوائها على مقالات غير متوافقة مع سياسة الحزب الشيوعي . وكنا نضع ختما خاصا على تلك المجلات ونرسلها إلى مكتب الوثائق السرية الذي كان دخوله ممنوعا على موظفي المعهد . وأتذكر مقالا باللغة الإنجليزية تناول ظاهرة غامضة وقعت في جبال الأورال بالاتحاد السوفييتي حيث قام عالم إنكليزي ببحث تلك الظاهرة استنادا إلى الوثائق التي نشرت في المجلات السوفياتية المتخصصة حيث توصل الباحث الإنكليزي إلى استنتاج أن كارثة نووية كانت قد وقعت في جبال الأورال وأسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من سكان المنطقة . لكن مثل هذه الحوادث غالب ما كان الغموض يكتنفها وكانت السلطات الشيوعية تلتزم الصمت بشأنها . لكن ما نعرفه علم اليقين أن مقال الباحث الإنكليزي لم يكن ضربا من الخيال بل كان يعتمد على الوثائق التي نشرها السوفييت أنفسهم في مجلاتهم”.
اعتاد معهد الإعلام والتوثيق الفني على إقامة الندوات والمؤتمرات وكان بين موظفيه حتى عام 1974 مئات من خريجي كليات اللغات الأجنبية الذين كانوا يترجمون المقالات المنشورة في المجلات الأجنبية. ولكن في عام 1974 قررت إيلينا زوجة زعيم رومانيا الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو التي كانت ترأس المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا – قررت زيادة فعالية عمل المعهد وخفض عدد الموظفين إلى مائة وستين فقط . وفي مطلع الثمانينيات ظهرت في رومانيا بوادر أزمة حادة كانت لتؤثر على جميع الطقاعات .فقد عانت المؤسسات بما فيها معهد الإعلام والتوثيق الفني من نقص شديد للعملة الأجنبية مما أدى إلى تقليل مشتريات المجلات والكتب الغربية بشكل كبير والاكتفاء بشراء المجلات والكتب السوفييتية. ولم تكن أزمة المؤسسات سوى انعكاسة لأزمة النظام التي أدت إلى سقوطه في عام 1989.