حي كاتسيلو السكني ببوخارست
وقد بدأت أعمال بناء العمارات متعددة الطوابق في عام 1954
Diana Baetelu, 08.01.2024, 14:42
بعد إلغاء النظام الملكي وإعلان رومانيا جمهورية شعبية في الحادي والثلاثين من ديسمبر كانون الأول عام 1947 على خلفية إحكام الحزب الشيوعي سيطرته على البلاد أقدمت السلطات على تغيير بنية المجتمع بشتى الطرق فاعتقلت النخب السياسية والثقافية التي برزت في الفترة ما بين الحربين العالميتين وزجت بهم في السجون ومعسكرات الاعتقال .. لكنها تأخرت في تحقيق هدفها الرئس المعلن وهو تحسين الظروف المعيشية للطبقة العمالية . ففي الفترة ما بين عامي 1953 و1954 واجهت العاصمة بوخارست أزمة سكنية حادة بسبب بطء وتيرة بناء الأحياء السكنية الجديدة التي كان لا بد منها لإسكان الأعداد المتزايدة من الريفيين الذين كان الحزب الشيوعي يسعى جذبهم إلى العاصمة للعمل في المصانع والمعامل والانضمام بذلك إلى جهود تشييد الاشتراكية .. في واقع الأمر كانت العمارات التي تم بناؤها بعد عام 1945 أقل من أن تغطي احتياجات الإسكان الحقيقية بحسب المؤرخ أندريه رازفان فوينيا:
“في عام 1953 انعقد اجتماع موسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي تقرر فيه تمويل بناء مساكن جديدة في بوخارست ..وقد بدأت أعمال بناء العمارات متعددة الطوابق في عام 1954 وكان كل من حي فاترا لومينواسا وبوكوريشتي نوي ومونتشي من بين الأحياء التي بدئ ببنائها آنذلك وفق مخططات مبتكرة من الناحية المعمارية . ولكن أعمال النباء لم تكن تسير بالسرعة المطلوبة فانتهى عام 1954 دون أن يشهد تدشين أي حي سكني جديد في العاصمة. من ناحية أخرى فإن الأحوال الجوية القاسية في شتاء عام 1954 أبطأت وتيرة بناء الأحياء الجديدة فوجد الحزب الشيوعي نفسه أمام أزمة سكنية مثيرة للقلق سلطت الضوء مرة أخرى على الحاجة الماسة والعاجلة إلى مساكن جديدة .”
—–فاصل —
ومن هنا بدأت قصة حي كاتسيلو الذي كان يقع آنذاك في الطرف الشرقي لبوخارست بجوار قرية صغيرة حملت نفس الاسم . ففي المرحلة الأولى من المشروع الإسكاني بنيت في رقعة أرض بمساحة ستة آلاف متر مربع ثمانمائة شقة حلت محل البيوت القديمة المبنية على الطراز الريفي التقليدي وعلى الطراز الشعبي المميز لضواحي بوخارست الفقيرة ممثلا بالبيت المتواضع المحاط بحديقة . ولكن قبل انطلاق أعمال بناء العمارات السكنية الجديدة امتلأ المكان بثكنات عشوائية سكن فيها العاملون في المصانع المجاورة . المؤرخ أندريه رازفان فوينيا:
“أقيمت تلك الأكواخ لإيواء العاملين في المصانع المجاورة بشكل مؤقت إلى حين الانتهاء من بناء المساكن الجديدة قيمأقيم. في صيف عام 1955 انطلقت أعمال بناء حي كاتسيلو السكني بعد ان أصدر الحزب الشيوعي أوامر بإنشاء مساكن بسيطة على وجه السرعة ولأكبر عدد من العاملين بهدف التخفيف من حدة الأزمة السكنية . أما الأرض التي بني فيها حي كاتسيلو الجديد فكانت في الفترة ما بين الحربين العالميتين ما ملكا لجمعية معنية ببناء المساكن الرخيصة .
—–فاصل ————
هل نجح مشروع بناء حي كاتسيلو السكني ؟ المؤرخ أندري رازفان فوينيا -شريط
” الحقيقة أن الشيوعيين لم يكونوا مستعدين لإنجاز مثل هذا المشروع الضخم على الإطلاق. هذه هي الحقيقة. لم يتمكنوا من تحديد ملامح المدينة الاشتراكية الجديدة التي أرادوا بناؤها ولم تكن لديهم أدنى فكرة عن ذلك لأن نخب الهندسة المعمارية التي برزت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن المتضي والتي كانت يسارية التوجه بكل تأكيد لم تكن منضوية تحت لواء الحزب الشيوعي . فلجاء الشيوعيون إلى الخبرة السوفييتية القادمة من موسكو مباشرة وهكذا ظهرت الأحياء السكنية في خمسينيات القرن الماضي في أنحاء مختلفة من العاصمة مثل راهوفا وفيرينتاري وموننشي .عودة إلى حي كاتسيلو الذي أشرف على بنائه أحد أكبر المهندسين المعمارييين في القرن العشرين هو تيبيريو نيغا صاحب العديد من المشاريع المعمارية الرائعة في الثلاثينيات والأربعينيات .. وقد كلفه الحزب الشيوعي ببناء عدد كبير من المسكان في وقت قصير على أن تكون الشقق صغيرة ولكن بمساحة كافية لإسكان عائلة كاملة وأن تكون أيضا رخيصة الثمن قدر الإمكان. فقط بادر نيغا ببناء مساكن مستحواة من الطراز الريفي التقليدي بحيث تكون كل عمارة مكونة من عدة شقق كل بمساحة ثلاثين أو أربعين مترا مربعا وشرفة كبيرة مشتركة وحديثة كبيرة هي الأخرى . معنى ذلك أن كل عائلة كانت تسكن مساحة لم تتجاوز أربعين مترا مربعا ولكن في المقابل كان بإمكان الساكنين استخدام الشرفة المشتركة لإيداع مختلف الأمتعة كالدراجات الهوائية وعربات التسوق والمخللات والكراسي والطاولات وما إلى ذلك..”
—————فاصل ————
بطبيعة الحال لم تكن تلك الشقق توفر الراحة لساكنيها وفق معايير السكن الكريم لضيق مساحتها .. لكن الشيوعيين كانوا يعلمون جيدا أن سكانيها هم من العمال القادمين من الريف حيث الظروف المعيشية أسوأ بكثير :
“بلغت مساحة كل شقة حوالي ثلاثين مترا مربعا أو أكثر من ذلك بقليل وكانت كل الشقق من غرفة واحدة فقط سكنت فيها أسرة مكونة من أبوين وأطفالهما . فحشر أربعة أشخاص في شقة كتلك أمر صعب في الحقيقة ولكن أقولها مرة أخرى علينا ألا ننسى أن أولئك الناس كانوا قبل مجئيهم إلى العاصمة يسكنون في قرى أو في مناطق شبه ريفية في أطراف ضواحي المدن في ظل ظروف أصعب بكثير . فرغم كل شيء كانت تلك الشقق مهما تواضعتِ توفر لهم الكهرباء والماء الساخن وفيها ثلاجة ومذياع وغيرها من مقومات الراحة وهي أشياء لم تكون متوفرة في مناطقهم الأصلية . بالإضافة إلى العمارات السكنية بني في حي كاتسيلو العديد من المطاعم والمتاجر الصغيرة والمكتبات ومدرستان وروضة أطفال ومساحات خضراء .من جانب آخر كان العمال يسكنون بالقرب من مكان العمل وهو أيضا من التسهيلات التي لم يكونوا يتمتعون بها من قبل .”
بمرور الوقت بنيت في محيط حي كاتسيلو أحياء كسنية أخرى تماشيا مع خطط التنظيم العمراني التي أطلقها النظام الشيوعي بهدف تعديل البنية التحتية والاجتماعية للعاصمة . أما المساكن التي بناها المهندس تيبيريو نيغا في حي كاتسيلو لتكون بمثابة بوابة إلى عالم الريف الذي انحدر منه معظم ساكنيها فلا تزال قائمة حتى يومنا هذا.