فيرينتاري – المعضلة السكنية
فيرنتاري - حي أشبه بالغيتو يقع في الضاحية الجنوبية الغربية للعاصمة بوخارست
Diana Baetelu, 28.01.2023, 18:00
فيرنتاري – حي أشبه بالغيتو يقع في الضاحية الجنوبية الغربية للعاصمة بوخارست . اسمه كان لسنوات طويلة مرادفا للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والإجرام بمختلف اشكاله . المؤرخ أندري رزافان فوينيا يعرفنا بتاريخ الحي :
“التخلف كان عنوان حي فيرنتاري منذ بداية وجوده على أطراف بوخارست قرب نهاية طريق كان ينطلق من وسط العاصمة وينتهي عند مزارع الكروم المملوكة للمطرانية والأديار .. بمرور الوقت بيعت الكروم والأرض وبنيت عليها منازل حتى تحولت المنقطة شيئا فشيئا إلى حي سكني ..قرب الحي من منطقة صناعية و تدني أسعار الإيجار دفعا عمال المعامل المجاورة لاستئجار بيوت في حي فيرنتاري . ومع توسيع أعمال البناء بدأ الحي يتطور لكن ببطء شديد مقارنة بالأحياء الأخرى..حي فيرنتاري كان يسمى آنذاك ميدان المرح ربما لأنه كان يحتضن ما لا يقل عن مائة حانة نظم معظمها في معامل النبيذ التابعة لمزارع الكروم السابقة فيما أطلق على الشارع الرئيس شارع المرح ..حتى تسمية الحي بميدان توحي بأنه لم يكن حيا سكنيا بكل المقاييس بل على العكس ظل حي فيرنتاري يفتقر لأبسط المرافق والخدمات من مجاري الصرف الصحي وشبكات توزيع المياه والكهرباء حتى مطلع الأربعينيات من القرن الماضي بسبب إهمال السلطات المركزية .”
في الفترة ما بين الحربين العالميتين ظهرت في حي فيرنتاري إلى جانب مساكن العمال الفقراء دكاكين وورش وغيرها من الأعمال الصغيرة وبنى أصحابها منازل وحتى فيلات ، كل حسب إمكاناته بحسب المؤرخ أندري رزففان فوينيا:
“أحد أنجح رجال الأعمال في حي فيرينتاري كان يهوديا اسمه ليتمان وفي عام 1935 كلف المهندس بول روسيني بتصميم منزل له وفق أسلوب معماري عصري .. إنه منزل رائع استوحي أسلوبه من أحدث الأساليب المعمارية في أوروبا آذاك .. وكان منزل ليتمان أحد المنازل الجميلة القليلة في حي فيرنتاري إلى جانب منزل آخر يتميز بأسلوب معماري متوازن وجذاب .. وكما أسلفت فإن مثل هذه المنازل كانت قليلة في الحي بينما سادت المشهد بيوت الفقراء المتواضعة “
التخطيط العمراني لحي فيرنتاري بدأ بعد تولي الشيوعيين السلطة بهدف تأمين ظروف عيش كريمة للعمال . فقد بنيت في ميادين الحي عمارات سكنية متعددة الطوابق من الطوب الأحمر تعرف اليوم بالعمارات الحمراء :
“بعد عام 1948 بدئ بإنشاء 20 عمارة سكنية وفق مفهوم جديد تمثل في استبدال السكن الأفقي في منازل صغيرة محاطة بحدائق بالسكن العامودي في عمارات متعددة الطوابق. كان حي فيرنتاري المكان الذي نفذ فيه مشروع عمراني وفق الرؤية الجديدة للمرة الأولى في تاريخ العاصمة . وهكذا ظهرت في الحي عمارات من أربعة طوابق تفصلها مساحات خضراء وتوفرت فيه جميع أنواع المرافق الحديثة .. فكانت هناك روضة أطفال ودار سينما وحتى مسبح ظل مفتوحا للجمهور حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي إضافة إلى متاجر وصالون حلاقة . بذلك تحول حي فيرنتاري إلى مدينة صغيرة تتولى إدارة شؤونها بنفسها ..”
تعرض حي فيرينتاري للإهمال ابتداء من منتصف الستينيات وتردت ظروف المعيشة .
“لم تقم السلطات بأي استثمارات جديدة في الحي بعد انتهائها من إنشاء العمارات السكنية والمرافق باستثناء مدرسة وشبكة إنارة. بعد عام 1966 أعيد النظر في التخطيط العمراني للمنطقة وتقرر إنشاء المزيد من العمارات السكنية في الضواحي الريفية للحي بعد هدم المنازل الفردية .. لكن في نهاية المطاف شيدت في الحي مجموعات متفرقة من العمارات خلف المساكن الفردية إضافة إلى المرافق اللازمة للتدفئة والإنارة العامة وغيرها ..ففي غضون بضع سنوات وتحديدا حتى عام 1973 شيد في حي فيرنتاري أكثر من مائة وخمسين عمارة شقق من غرفة واحدة وغرفتين لآلاف العمال الذين قدموا إلى العاصمة للعمل في مصانعها .. اللافت أن المشروع لم يحدث أي تغيير نوعي بل أبقى على سمات الحي العمالي المهمش الذي يتكدس فيه عمال قادمون من جميع أنحاء البلاد ثم يتزوجون وينجبون وينتقلون إلى مكان آخر .. مكان ترانزيت للسكن المؤقت ليس إلا .. بعد عام 1973 توقفت السلطات عن بناء عمارات سكنية جديدة في الحي..”
بعد زلزال عام 1977 أعادت السلطات النظر في مشروع التخطيط العمراني لحي فيينتاري لكن شيئا من تلك الخطة لم ينفذ على الأرض . بعد سقوط النظام الشيوعي عام 1989 تعرض حي فيرنتاري للإهمال والتهالك والتهميش وتفاقمت فيه المشاكل الاجتماعية ..