الموت والصورة في الفن الروماني
نهاية الحياة هي حتمية بالنسبة لجميع الناس. لذلك، فإن اللقاء القاسي والأخير مع المجهول كان معبَّراً عنه في كل المجتمعات الإنسانية
Steliu Lambru, 03.02.2019, 12:36
في الفضاء الروماني، تم التعبير عن الموت ضمن الكنائس على شكل رسالة أخلاقية. وقد ظهر الموت كتعبير عن قِصَرِ الحياة، على قطع فنية صغيرة، وكتبٍ كنسية، وعلى شكل مطبوعات شعبية. ركز الباحثون الرومانيون الذين درسوا التمثيل الفني للموت في الفضاء الروماني، على دراسة الصورة، بدءاً من الدراسات الموجودة فعلاً في الغرب. يتفق معظم أولئك الذين تعاملوا مع الموضوع، على أن الموت يثير الحاجة للصورة، لأنه غياب يجعل الشخص يقول شيئاً في مكانه. “كريستينا بوغدان”، هي محاضرة في كلية الآداب في جامعة بوخارست، وهي تتعامل مع تمثيل الموت في الفن الروماني، من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
“هناك الكثير مما يمكن التحدث به، عن العلاقة بين الصورة والموت. تأتي العلاقة بينهما من خلال اللعب بين الحضور والغياب. في اللحظة التي يغيب فيها شيء ما، تشعر بالحاجة إلى ملئ هذا الغياب بصورة. كلاهما، الصورة والموت، ينكشفان لنا في الغياب. في الحقيقة، علينا أن نتعامل مع لعبة بين الموت الذي يفكك، والصورة التي تُركّب. نتحدث دائماً حول التفكيك من خلال الموت، حول الجسد الذي يتعفن، حول حقيقة أن من يموت سيفقد هويته البصرية”.
سيتم تجسيد الموت من خلال الصورة، بسبب الخبرة المحدودة لحياة شخص ما. وهذا كان في الذهنية الجمعية لكل المجتمعات، ولا تُعدُّ مجتمعات اليوم حالة استثنائية. “كريستينا بوغدان”:
“الموت وقبل كل شيء هو صورة، ويبقى صورة. في الأساس، يبقى الموت فكرة مجردة، إذا فكرنا في الطريقة التي نعرف فيها الموت، فنحن نتعلق بجسد المتوفى. إنه حقيقة واضحة نواجهها، في مكان حدوثه، وفي لحظة ما، نشعر بضرورة أن نضع شيئاً، أن نحتفظ بالذي غادرنا ضمن إطار معين. عملياً، كل الذي نضعه في المكان، يحدّثنا عن هذا البعد الأيقوني للموت. تحدث “فيليبي آرييس Philippe Aries“، أيضاً في مجلد رائع، مخصص لصور الإنسان في مواجهة الموت، عن التصنيفات المختلفة للصور، والتي يمكننا وضعها مكان أولئك الذين لم يعودوا موجودين. الصور موجودة حتى اليوم، حتى ولو قلنا أننا لم نعد نهتم كما كنا من قبل بالأقنعة الجنائزية، لدينا أساليب أخرى للحفاظ على صورة المتوفى. يصنعون الصور، هناك ألبومات صور للجنازات، هناك مقابر افتراضية، ذكريات عبر الانترنت، هناك صفحات للموتى على الفايسبوك، يمكن أن تكون مخيفة في الواقع. يبدو أنه يوجد أكثر من خمسة ملايين ملف شخصي لأشخاص لم يعودوا بيننا. ومع ذلك، توجد ملفاتهم الشخصية وما تزال نشطة”.
في الكنائس الرومانية، كانت صور الموت شائعة. لكن كان لديها وظيفة تربوية، حيث تُعلِّم المسيحي الذي يأتي إلى الكنيسة. “كريستينا بوغدان”:
“لقد انطلقتُ من صورة تقول كل شيء. لماذا؟ لأننا في المقام الأول تحدّثنا في نفس الوقت حول التزيين الداخلي والخارجي. تظهر معظم صور الموت في “مونتينيا”، في الكنائس المرسومة بين عام ألف وسبعمئة وخمسين وعام ألف وثمانمئة وخمسين، في الداخل والخارج، ولكن أكثرها في الخارج. داخل كنيسة قروية صغيرة من الخشب، وضمن الديكور الداخلي توجد صورة جدارية، حيث تُظهر بنّائي الكنيسة يحملون مجسّماً للكنيسة، وعلى المجسّم يظهر مسرح، لم يعد موجوداً في الصورة الخارجية، ولكن يمكننا تخيل أنه مازال موجوداً. إنه حديث عن مسرح، الذي كان من المفترض وجوده، على الجدران الشمالية للكنيسة في “تشيونغيتو Ciungetu“، في محافظة “فالتشا”، كنيسة مرسومة في عام ألف وثمانمئة وواحد وستين، من قبل الرسام “نيكولاي بونيسكو Nicolae Bunescu “، والتي تمت إشادتها من قبل القرويين، وفي مقدمتهم “فلوريا إيونيسكو”، الذي تقول عنه الأساطير المحلية، بأنه قد عاش مئة وخمس سنين. يحتوي هذا المسرح على عنصر جعلني أفكر فيه: إنه نوع من موضوع الصياد المطارَد. إنه شخصية تطارد غزالاً ذكراً، وهو تمثيل للموت مع منجل في يده، مع شعر منكوش، وعيون جاحظة. هناك علامات سوف نواجهها في تعابير أخرى”.
الصورة المعيارية للموت، هي صورة رجل عجوز مخيف، برأس مقنّع وحقيبة يحمل فيها الأدوات الحادة، التي يفصل فيها بين الجسد الروح. في الحقيبة يحمل أيضاً الجثث التي أخذها. يستخدم الموت أشياء للقطع أو التثقيب، مثل السيف، السكين، المنجل، الفخ، وغيرها، لكن المنجل ذو الذراع الطويلة هو الأكثر حضوراً. “كريستينا بوغدان”:
“المنجل ذو الذراع الطويلة هو العنصر الذي يعرّف الموت، والذي يظهر في دفاتر النماذج. في دفتر النماذج الخاص بـ “رادو زوغرافول Radu Zugravul“، المنجل ذو الذراع الطويلة هو الأداة المفضلة، في الصور الأربعة التي يظهر بها، يترافق الموت مع المنجل. في رسومات المخطوطات، يُظهر “بيكو باتروتس Picu Pătruț” الموت في شكل أقرب إلى النمط الغربي، قرب المنجل ذو الذراع الطويلة والنشّافة الرملية، والتي لا تظهر في التمثيل الروماني الشعبي. في الكتب الشعبية مثل ” الشجاع والموت”، هناك مواجهة ومعركة عقلية، تناقض بين الجسد والروح، واحتجاج، حتى مع الموت، مع المنجل كأداة تعريفية. في كتب الفولكلور، يظهر الموت بوضوح كشخصية كريهة، غير مرغوب فيها، عجوز قبيحة، كهيكل عظمي، والتي تحمل في يدها منجلاً”.
تأثر تمثيل الموت في الفضاء الروماني، بالتصوير الديني والنماذج الفنية، من فضاءات ثقافية أخرى. كانت تلك التمثيلات موجّهة للناس في ذلك الوقت، أما بالنسبة لناس هذه الأيام، فقد اخترع الفن تمثيلات جديدة.