الملك كارول الثاني وأزمة عام 1940
عمت رومانيا أزمة عميقة عقب فقدانها أكثر من ثلث أراضيها
Diana Baetelu, 26.09.2023, 14:21
واجهت رومانيا ما بين عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي تصاعد النزعة التوسعية لدى القوتين الأوروبيتين العظميين آنذك ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي وأيضا لدى بعض الجيران كالمجر وبلغاريا . ففي السادس والعشرين من ييونيو حزيران عام 1940 وبعد على احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية وجه الاتحاد السوفييني إنذارا إلى الحكومة الرومانية مطالبة إياها بتسليم كل من باسرابيا وشمال بوكوفينا لموسكو. وفي الثلاثين من آب أغسطس عام 1940 وقعت ألمانيا وإيطاليا على معاهدة فيينا التي قضت بأن تسلم رومانيا شمال ترانسلفانيا للمجر وفي الشهر التالي فرضت إيطاليا والنمسا على رومانيا تسليم جنوب دبروجيا لبلغاريا ..ففي ظل الأزمة العميقة التي عمت الدولة والمجتمع الروماني إثر فقدان البلاد أكثر من ثلث أراضيها قرر الملك كارول الثاني التخلي عن العرش وتسليم السلطة لقائد الجيش الجنرال يون أنتونيسكو الذي قام بتشكيل حكومة جديدة بالتعاون مع حركة الحرس الحديدي اليمينية المتطرفة فاشية الهوى .كان كارول الثاني رجلا قويا ذكيا استخدم سلطته للتلاعب بالآخرين من أجل تحقيق أهدافه . في عام 1938 حل البرلمان وحظر الأحزاب السياسية وأغلق الصحافة المستقلة وسن دستورا جديدا كرس ما يعرف في تاريخ رومانيا بنظام السلطة الشخصية للملك كارول الثاني الذي استمر حتى أزمة عام 1940 .. كان أبا قاسيا لنجله مياهي وأحاط نفسه بحاشية كانت بمثابة ديوان ملكي غير رسمي وتكونت من رجال أعمال أغنياء ومسؤولين سياسيين رفيعي المستوى كان لهم تأثير كبير على السياسة والاقتصاد وقد حامت حول الملك وحشيته فضائح فساد كبرى ..تميز كارول الثاني بكبرياء غير محدودة ففي خضم أزمة عام 1940 رفض التنازل عن العرش بشكل رسمي واكتفى بتسليم السلطة لقائد الجيش . من جانب آخر يرتبط اسم الملك كارول الثاني بالإنجازات الكبيرة التي شهدتها رومانيا في عهده ما بين عام 1930 و1940 وهو برأي المؤرخين الفترة التي تمتعت فيها رومانيا برفاهية غير مسبوقة . فقد بدأ التنظيم العمراني للعاصمة واغتنى قطاعها الشمالي بسلسلة من البحيرات الاصطناعية وتطورت الحاية الثقافة والفنية بشكل منقطع النظير وهي إنجازات جعلت بعض المؤرخين ينكرون الانطباع السائد بأن الملك كارول الثاني كان شخصية مشؤومة في تاريخ رومانيا المعاصر ..
غورغي باربول كان السكرتير الشخصي للجنرال أنتونيسكو الذي كان قد ارتقى إلى رتبة المارشال. وفي عام 1984 أجرى المؤرخ ومقدم البرامج في إذاعة أوروبا الحرة فلاد جورجيسكو مقابلة مع غورغي باربول أصبحت في عام 1993 في حيازة مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية . وقال باربول إنه على الرغم من الخلافات العميقة بين الملك والمارشال إلا أن الأخير كان مقتنعا بأن النظام الملكي كان كفيلا باسترارية الدولة الرومانية واستقرارها :
“كان المارشال أنتونيسكو مقتنعا بأن النظام الملكي أمر لا بد منه في دولة فتية كرومانيا وهو النظام الوحيد الكفيل باستقرارها في ظل انتشار الخطابات الديماغوجية واستبدال الاقتراع المقيد بالاقتراع العام في عام 1917 و هو نظام انتخابي قال المارشال أنه استبدل أصحاب الأراضي بأصحاب الأصوات . لذا فكان المارشال يعتقد أن الملك كارول الثاني يجب أن يبقى على العرش أيا كانت خطاياه تفاديا لجر البلاد في حالة عدم استقرار خطيرة .. فيتلك الأثناء ذلك كانت المعارضة والحرس الحديدي يحاولان مساعدة ميهاي على تنحية والده فاعتقد الماريشال أن نجاح مساعي المعارضة كان ليزعزع استقرار الدولة مرة أخرى لا سيما وأن الملك نحى نجله في عام 1930 واعتلى العرش عوضا عنه .”
رادوا بوروش سجن لأسباب سياسية بعد تولي الشيوعيين السلطة وقال في مقابلة مع ردايو رومانيا عام 1995 إن كارول الثاني كان حاكما بارزا ودعم تطوير صناعة الطيران في ثلاثينيات القرن الماضي :
“شخصيا اعتبر كارول الثاني ملكا عظيما. ولو فهمه الرومانيون بشكل أفضل لكان بإمكانهم تحقيق المزيد من التقدم وقطع شوط أكبر مما قطعوه لأن الملك هو الذي وقف وراء كل الإنجازات التي شهدتها رومانيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الحرب العالمية الثانية في الصناعة وفي الإدارة وغيرها من القطاعات . فكل الإنجازات تحققت بإرادته وتحت رعايته . لم تكن رومانيا تملك صناعة طيران وقت اعتلائه العرش وخلال الحرب العالمية الأولى كان لدينا عدد قليل من الطيارين والبالونات الأسيرة إذ كنا نهتم بالبالونات الأسيرة أكثر من اهتمامنا بالطائرات المقاتلة . لكن الوضع اختلف في الحرب العالمية الثانية عقب قرار الملك بتطوير الطيران بما فيه الطيران العسكري و إنشاء مصنع الطائرات في مدينة براشوف حيث صنعنا طائرة مقاتلة كانت في نهاية الثلاثينيات واحدة من الطائرات المقاتلة الجيدة . ولكن إلى جانب الطيران العسكري عمل الملك على تطوير الطيران المدني إدراكا منه لأهميته كوسيلة نقل في المستقبل فقرر إنشاء الشركة الرومانية للنقل الجوي.”