الشبيبة والسياحة والتربية في رومانيا الاشتراكية
من أهم الأنشطة التي نظمتها منظمات الشبيبة الشيوعية ومن بينها منظمات الطليعة - بعثات الكشافة
Diana Baetelu, 11.09.2023, 14:17
في السادس من مارس آذارعام 1945 قام الحزب الشيوعي الموالي لموسكو بتنصيب حكومة جديدة برئاسة بيترو غروزا كانت مهمتها الأساسية وضع رومانيا في فلك الاتحاد السوفييتي ونشر الإيديولوجية الماركسية اللينينية في جميع شرائح المجتمع الروماني بما فيها الشباب . وما لبث أن شرعت في ترجمة ذلك المشروع السياسي على الأرض .. بين عامي 1945 و1965 ركزت جهود رومانيا على إنعاش الاقتصاد إثر تضرره جراء الحرب العالمية الثانية كما أجبرت رومانيا على دفع تعويضات حرب ما حال دون تطويربعض القطاعات الاقتصادية ومن بينها السياحية . لكن تعافي الاقتصاد ابتداء من منتصف الستينيات ترافق مع انتعاش السياحة ما سمح لمنظمات الشببية المنبثقة عن الحزب الشيوعي بتنظيم أنشطة سياحية للشباب امتزجت فيها الفعاليات العلمية والسياحية والترفيهية مع دورس الإيديولوجية الماركسية اللينينية وفق نموذج أخذه الشيوعيون الرومانيون من زملائهم السوفييت . وقد أطلق على تلك الأنشطة “السياحة الهادفة ” .
من أهم الأنشطة التي نظمتها منظمات الشبيبة الشيوعية ومن بينها منظمات الطليعة – بعثات الكشافة التي نظمت للمرة الأولى في عام 1969 وسميت “كوتيزاتوري” أي الشجعان على اسم مجلة للأطفال والمراهقين حملت نفس الاسم وصدرت عام1967 . ديانا جورجيسكو معلمة دراسات جنوب شرق أوروبا في جامعة كلية لندن لديها المزيد من التفاصيل حول طريقة نظيم بعثات “الشجعان “” شهدت ستينيات القرن الماضي إصلاحات وتغييرات شتى انعكست في طريقة تنظيم منظمات الطليعة التي مرت هي الأخرى بسلسلة إصلاحلات نجحت إلى حد ما في فصلها – من الناحية المؤسسية على الأقل- عن التظيمات المنبثقة عن منظمة الشبيبة الشيوعية لتصبح منظمة مستقلة لها رئيس ونائب رئيس وجميع أنواع اللجان المختصة بالسياحة والرياضية والفنون والعلوم.”
سعت السلطات الشيوعية إلى تقديم بعثات “الشجعان” على أنها أنشطة تقليدية وامتداد لحركات الكشافة التي نشطت في الفترة ما بين الحربين العالميتين وأبرزها “كشافة رومانيا”. فقد اقتبس منظرو منظمات الشبيبة الشيوعية شعار بعثات “الشجعان ” من أحد خطابات المؤرخ نيكولاي يورغا في الفترة ما بين الحربين العالميتين بعنوان : “في أهداف حركة الكشافة ” وجاء فيه “إن الهدف من حركة الكشافة أن تجعلك تتجاوز حرف الكتاب لتكتشف الجمال الحقيقي الكامن في الطبيعة ” . وكانت الرحلات الاستكشافية لبعثات “الشجعان ” تنظم في جبال الكاربات وعلى طول مجاري الأنهار وفي دلتا الدانوب . وكان المشاركون في الرحلات الاستكشافية يسكنون في مخيمات ويجربون نمط حياة جديدا وسط الطبيعة . وتكونت بعثات “الشجعان ” من تلاميذ المراحل التعليمية ما قبل الثانوية ومدرسين يساعدون الأطفال على اكتساب معارف جديدة وخبرات حياتية مفيدة وكانت الانشطة اليومية تتضمن- إلى جانب المشاوير الطويلة – دروسا في الثقافة والتربية الوطنية والفولكلور وعلم النبات وعلم الحيوان والجغرافيا والتربية البيئية . كما كان المدرسون يحدثون الأطفال عن العلاقة بين الدولة والمجتمع الاشتراكي. وكان على المشاركين في الرحلات الاستكشافية كتابة ملاحظاتهم وانطباعاتهم يوميا في سجل خاص . ولدى انتهاء الرحلة كانت لجان تحكيم تمنح جوائز لأجمل السجلات وأجمل مجموعات الأشياء المجمعة أثناء الرحلات الاستكشافية:
“لم تكن المشاركة في بعثات “الشجعان إلزامية ولكن منظمات الطليعة والشبيبة شجعت الأطفال على المشاركة إقامة مختلف الفعاليات لذلك كان اممسؤلون عن البعثات يضعون جداول زمنية للأنشطة والفعاليات المراد القيام بها أثناء الرحلة . وقد حظيت رحلات “الشجعان” بترويج كثيف ما ساهم في زيادة شعبيتها غير أن المشاركة فيها تطلبت جهدا ماليا وجسدياكبيرا إذ كانت الرحلات الاستكشافية تستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع وكان لزاما على المشاركين اتباع قواعد صارمة. على سبيل المثال لم يكن مسموحا لهم باستخدام وسائل النقل العام إلا للوصول إلى مكان الانطلاق وكانوا يسيرون على الاقدام لمسافات طويلة ويسكنون في خيم كما كان عليهم تحضير الطعام والحصول على احتياجاتهم الأساسية بأنفسهم .”
على مدى أكثر من عشرين عاما بلغ عدد المشاركين في بعثات الشجعان نحو خمسمائة ألف ومعظمهم من التلاميذ المنضوين تحت لواء منظمات الطليعة . ديانا جورجيسكو تحدثت مع مشاركين في بعثات الشجعان للتعرف على آرائهم:
أجريت مقابلة مع رجل شارك في رحلة استكشافية في جبال تشاهلاو في عام 1978.سألته عن آثار تلك الرحلة عليه. فقال إنه ظل يحن ويشتاق لها لفترة طويلة بعد انتهائها كم تحدث عنها مع زملائه في البثعة في كل لقاءاتهم وظلوا يروون لبعضهم البعض نفس القصص والذكريات مرات ومرات طيلة الإجازة الصيفية .أعجبتني أيضا إجابة مدرسة في مدينة ساتو ماري كانت مسوؤلية أثناء إحدى بعثات الشجعان عن فريق مختلط من أطفال رومانيين وذوي أصول مجرية وقالت إن المعلمين كانوا يمارسون مهنتهم بشغف أثناء الرحلات الاستكشافية . صحيح أن دروس التربية الوطنية كانت إلزامية ولكن أحدا لم يتحمس لها كما تحمس للرحلات الاستكشافية كونها تجربة حياتية متميزة في المقام الأول. “بعثات الشجعان” ربما بدت مشروعا سياسيا للوهلة الأولى ولكن بمجرد الانخراط في فعالياتها إدراك قيمتها الحقيقية كان بعدها السياسي يتلاشى من تلقاء نفسه “.
توقفت بعثات ” الشجعان ” بعد عام 1989 ولكنها لا تزال ماثلة في ذاكرة المشاركين وفي ألوبات الصور والمذكرات والوثائقيات .