مساعدات رومانيا لبلدان العالم الثالث إبان الحقبة الشيوعية
كانت رومانيا الاشتراكية من بين الدول التي أقامت علاقات مع العالم الثالث ابتداء من سبعينيات القرن الماضي
Diana Baetelu, 13.07.2023, 10:58
انتهت حقبة الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية باعتراف الدول المستعمرة باستقلال مستعمراتها السابقة ووضع علاقاتها معها على أسس جديدة . وفي الوقت نفسه أبدت الدول الاشتراكية السابقة استعدادها لدعم البلدان المستقلة الناشئة والمعروفة أيضا بالبلدان النامية أو دول العالم الثالث في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وفق مبادئ الإنسانية الجديدة . فقد كانت المساعدات الإنسانية واحدة من أكثر أشكال الدعم انتشارا في سياق العلاقات بين الدول القديمة والدول الناشئة . لكن بتقديمها تلك المساعدات كانت الدول الاشتراكية تتبع مصالحها السياسية والاقتصادية في المناطق المعنية .
كانت رومانيا الاشتراكية من بين الدول التي أقامت علاقات مع العالم الثالث ابتداء من سبعينيات القرن الماضي في إطار سياسة زعيمها الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو الرامية إلى تطوير العلاقات مع القارة الأفريقية والدول الاشتراكية أو المتعاطفة مع الأنظمة الاشتراكية في آسيا وأيضا مع الحركات الشيوعية في أمريكا اللاتينية.
المؤرخة ميا جينغا الباحثة في معهد التحقيق في جرائم الشيوعية والمنفى الروماني تشارك في إعداد دراسة حول السياسة الخارجية لرومانيا ما بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي وقالت :
” المساعدة الإنسانية التي قدمتها رومانيا لتلك الدول تضمنت كافة الأشكال والآليات المتاحة بما فيها المساعدات الطارئة التي عادة تقدم في حالات الكوراث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والزلازل وما إلى ذلك. لكن الدعم الذي منحته رومانيا وسائر بلدان الكتلة الاشتراكية وكذلك الدول الغربية للدول النامية لم يقتصر على المساعدات الإنسانية بل تضمن أيضا أشكالا أخرى من المساعدات ومن بينها تلك الموجهة إلى سكان مناطق النزاعات أو مخيمات اللاجئين بالإضافة إلى المساعدات المادية والعسكرية المقدمة لمختلف حركات التحرر وبعض الأحزاب الشيوعية وهي في الواقع الجهات التي خصص لها الجزء الأكبر من المساعدات المالية . كذلك قدمت لتلك الدول منح دراسية للتعليم ما قبل الجامعي والجامعي والتدريب بالإضافة إلى الخبرات المتخصصة والمعدات والدعم لإنجاز مشاريع تنموية.”
في عام 1979 قدمت رومانيا مساعدات لعدد من البلدان النامية في ثلاث قارات هي بيرو ومارتينيك وجمهورية الدومينيكان ونيكاراغوا والمكسيك و إثيوبيا وبنن والسودان وبوروندي وموزامبيق والسنغال وجمهورية أفريقيا الوسطى وموريتانيا وجمهورية الرأس الأخضر وناميبيا وغينيا بيساو إضافة إلى اليمن ولبنان . لاحظت ميا جينغا أن المساعدات الإنسانية جاءت بالتوازي مع أشكال دعم أخرى كانت تهدف إلى تحقيق بعض المصالح السياسية . على سبيل المثال دعمت رومانيا الاتحاد الشعبي الأفريقي الزيمبابوي وهو جماعة ماركسية لينينية شاركت في الحرب الأهلية في روديسيا بين عامي 1964 و 1979 :
“اختلفت أنواع المساعدات باختلاف الجهات المستفيدة . على سبيل المثال المساعدات التي قدمت لمنكوبي الكوارث الطبيعية تكونت في المقام الأول من مواد غذائية أساسية وملابس وأدوية بالإضافة إلى مواد طبية. وتنوعت باسمرار حسب الاحتياجات . وقد لفتت انتباهي المساعدات التي قدمتها رومانيا لمقاتلي الاتحاد الشعبي الإفريقي الزبمابوي في عام 1979 وزادت قيمتها عن تسعة ملايين لي – في حين لم يتجاوز متوسط المبلغ المخصص لمساعدة جهات أخرى مائتين وخمسين ألف لي . فالفرق كبير جدا كما تلاحظون “.
شرحت ميا جينغا كيفية تقديم المساعدات للدول النامية :
“درست طريقة تنفيذ مشاريع المساعدة الإنسانية تلك: أين بدأت وأين انتهت وهل جاءت بمبادرة من الدولة الرومانية أم أن المستفيد هو الذي طلبها . وفي جميع الحالات — أو على الأقل تلك التي درستها – منحت المساعدات بناء على طلب رسمي مقدم من قبل مسؤول رفيع في الدولة المعنية أو من قبل أحد قياديي الحزب أو الحركة المعنية ربما عقب اجتماع مع نيكولاي تشوسيسكو.وكان قسم العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية لـلحزب الشيوعي الروماني يقوم بإعداد مذكرة يشرح فيها أسباب موافقته أو رفضه لطلب المساعدة . وكانت المذكرة تتضمن نبذة عن تاريخ المساعدات الإنسانية المقدمة لتلك الجهة والمبالغ المخصصة لها بشكل سنوي فضلا عن تقييم كيفية استخدام تلك المساعدات مع ذكر المشاكل الدبلوماسية التي قد تواجهها رومانيا بسبب تقديمها . فقد حدث مرارا أن توافق رومانيا على تقديم مساعدات لجهة معينة لتتراجع فيما بعد بسبب الظروف السيالسية آنذاك .على كل – كانت الكلمة الفصل لنيكولاي تشاوتشيسكو . واللافت أيضا أن اللجنة المركزية وافقت على جميع طلبات المساعدات التي قدمتها فيتنام بصرف النظر عن قيمتها . لكن ذات مرة رفض نيكولاي تشاوسيسكو نفسه مساعدة ففيتنام قائلا إن رومانيا تساعد هذه الدولة منذ عشر سنوات فالوقت قد حان ليبدأ الفيتناميون بالعمل “.
نجحت برامج المساعدة تارة وفشلت تارة أخرى بحسب ما تكشفه الوثائق الموجودة في الأرشيف . وكانت إفريقيا القارة المفضلة لدى رومانيا الاشتراكية في إطار سياستها الخارجية والقارة التي زارها تشاوشيسكو مرات ومرات .