وضع المعاقين والأرامل والأيتام بعد الحرب العالمية الأولى
خرجت رومانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى فتضاعفت مساحة أراضيها وعدد سكانها
Diana Baetelu, 30.05.2023, 14:12
خرجت رومانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى فتضاعفت مساحة أراضيها وعدد سكانها. لكنها دفعت الثمن غاليا للانتصار متمثلا في حصيلة الحرب من القتلى والجرحى والتي أضيفت إليها بعد الحرب حصيلة أخرى من المعاقيين والأيتام والأرامل والمقدر عددهم بحوالي اثني عشر بالمائة من إجمالي سكان رومانيا بعد إقامة الدولة الوطنية الموحدة عام 1918 . وسرعان ما شرعت الدولة في إقرار تشريعات لضبط أوضاع معاقي الحرب والأرامل والأيتام لتساهم قدر المستطاع في تعويض الأضرار الجسيمة التي تكبدوها بسبب الحرب .
ماريا بوكور أستاذة تاريخ النوع الاجتماعي في جامعة إنديانا بلومنجتون بالولايات المتحدة الأمريكية ومؤلفة أبحاث في والنوع الاجتماعي والتحديث والمواطنة قالت إن وجود معاقي الحرب والأرامل والأيتام أدى إلى تغيير مفهوم المواطنة في الدولة الرومانية: “القرارات التي اتخذتها المؤسسات الجديدة أو المؤسسات ذات الصلاحيات الجديدة بشأن المحاربين القدامى والمعاقين الأرامل والأيتام ساهمت في تغيير الدولة الرومانية بشكل جذري لا سيما بعد حصول شريحة كبيرة من سكان رومانيا على حقوق المواطنة بعد عام 1919. إنها القوى التي غيرت موقف المجتمع من المواطنة وكما غيرت الخطاب العام شكلا ومضمونا ما أدى إلى ظهور توقعات جديدة لدى المواطنين الرومانيين فضلا عن مسؤوليات جديدة لمؤسسات الدولة. وقد خلقت إنجازات الدولة في مجال المواطنة دينامية جديدة في الفضاء السياسي والمدني “.
لا يزال عدد معاقي الحرب والأرامل والأيتام غير معروف بشكل دقيق حتى اليوم :
” مساحة أراضي الدولة تضاعفت تقريبا بعد الحرب عقب توحيد جميع المناطق الرومانية ضمن دولة موحدة وبذلك اندمج المحاربون القدامى في الأراضي التي عادت إلى رومانيا بموجب اتفاقيات السلام في مجتمع المحاربين القدامى الرومانيين . ولكن عددهم لم يكن معروفا لأن مؤسسات الدول التي كانت تسيطر على تلك المناطق قبل الحرب لم تقم بتعداد المحاربين القدامى والمعاقين والأرامل والأيتام . فذا فإن الأرقام المتوفرة اليوم هي في الواقع مجرد تقديرات تعود إلى أوائل عشرينيات القرن الماضي. شخصيا اعتقد أن عدد المحاربين القدامى في رومانيا بلغ نحو مليون ونصف المليون وكان هناك أكثر من مائتي الف من المعاقين وفقا لتعريف الإعاقة آنذاك يضاف إليهم أكثر من سبعمائة ألف من الأيتام والأرامل “.
كيف تعاملت رومانيا مع معاقي الحرب والأرامل والأيتام ؟ ماريا بوكور تقدر بأن الإجراءات التعويضية التي اتخذتها الدولة بحقهم كانت إيجابية :
“لا بد من القول بأن رومانيا تفوقت في كرمها وحسن نيتها تجاه المعاقين والأرامل والأيتام على جميع الدول التي قاتلت في الحرب العالمية الأولى. بالإضافة إلى منحهم معاشات تقاعدية، نص القانون الروماني على منحهم حق التعليم المجاني في مؤسسات الدولة والرعاية الطبية المجانية والسفر بالقطار مجانا والحصول على الحطب مجانا فضلا عن حق الأولوية في الحصول على الأرض بعد الإصلاح الزراعي. بالإضافة إلى ذلك منح المحاربون القدامى حق الأولوية في القيام بأعمال كانت تعتبر حكرا على الدولة مثل الأكشاك التجارية في محطات القطار فضلا عن منحهم الأولوية في الوصول إلى بعض الوظائف الحكومية .على سبيل المثال كان المحاربون القدامى والأيتام يمثلون غالبية موظفي المكاتب التي كانت تعنى بشؤون المحاربين القدامى والمعاقين والأرامل والايتام . فكل هذه المزايا مجتمعة تدل على تفوق الدولة الرومانية في حسن المعاملة والكرم على دول آخرى ومن بينها فرنسا على سبيل المثال التي كانت رومانيا تعتبرها نوذجا يحتذى به “.
أقرت الدولة الرومانية “قانون الامتنان” الذي كان يضبط أوضاع المحاربين القدامى والمعاقين والأرامل والأيتام. ولم تميز الدولة الرومانية بين مواطنيها القدامى والجدد بهذا الصدد :
” امتنان الأمة لم يكن موجها إلى الجنود الذين قاتلوا في صفوف الجيش الروماني داخل حدود البلاد فحسب بل اتجه أيضا إلى الجنود الذين قاتلوا ضد رومانيا بدليل أنهم منحوا نفس الحقوق شريطة الحصول على الجنسية الرومانية والإعلان عن الولاء للدولة الرومانية. أود أن أوضح أننا لا نجد مثل هذه السياسات إزاء المحاربين القادمى والمعاقين والأرامل والأيتام في يوغوسلافيا على سبيل المثال حيث لم يتمتع الكروات بنفس الحقوق التي تمتع بها الصرب “.
تقول ماريا بوكر أن هناك تفسيرات أخرى لحسن معاملة الدولة الرومانية للأعداء السابقين:
“يمكن قراءة كرم الدولة الرومانية تجاههم من منظور الأهداف البراغماتية من جهة ومن منظور الطموحات السياسية من جهة أخرى . فقد حارب العديد من الاثنيين الرومانيين في الجيش النمساوي المجري ضد رومانيا في الحرب العالمية الأولى ليس عن قناعة إنما عن اضطرار.. الدولة الرومانية لو استثنت أولئك المحاربين من الإجراءات التعويضية لكانت لتحدث حالة من الانقسام الراديكالي بين المناطق الجديدة والقديمة -الأمر الذي أدركه المسؤولون السياسيون فتعاملوا معه ببراغماتية . وهدف براغماتي آخر ارتبط بمعاهدة الأقليات العرقية التي أدركت رومانيا ضرورة الالتزام بها . أما من منظور الطموحات السياسية فأعتقد أن قانون معاقي الحرب والأرامل والأيتام وما نص عليه من إجراءات تعويضية وحقوق ومزايا كان الأداة التي استخدمها البرلمان الروماني من أجل التأسيس لنموذج المواطنة الملتزمة وثيقة الارتباط بمؤسسات الدولة “.