حي أورانوس في بوخارست
كان أحد أجمل الأحياء القديمة في العاصمة الرومانية
Diana Baetelu, 17.04.2023, 11:00
المنطقة المترامية الأطراف التي تحتضن مقار العديد من المؤسسات العامة فضلا بما فيها قص البرلمان المطل على ساحة الدستور الكبيرة ظهرت على خريطة بوخارست في مطلع الثمانينات من القرن الماضي وكانت معروفة حتى ذلك الحين بحي أورانوس . كان أحد أجمل الأحياء القديمة في العاصمة الرومانية واحتضن الكثير من المباني التراثية .ومع ذلك أصبح حي أورانوس أثرا بعد عين بسبب سياسة التخطيط العمراني التي أطلقها الزعيم الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو في عام 1977 سعيا لتحقيق طموحه الكبير بإنشاء ما سماه بالمركز السياسي والإداري الجديد للبلاد . فكان حي اورانوس أحد الأحياء التارييخية التي سوتها البلدوزيرات بالأرض لإفساح المجال لمباني المركز السياسي والإداري الجديد .
المؤرخة سبيرانتسا دياكونيسكو عملت كباحثة في مكتب التراث الثقافي لمدينة بوخارست وشاهدت بأم تحويل المباني التراثية في حي أورانوس إلى ركام .في عام 1997 أجرى مركز التاريخ المروي التابع للإذاعة الرومانية مقابلة مع السيدة دياكونيسكو:
“حي أورانوس كان واحدا من الأحياء التاريخية القديمة في العاصمة. لذا فقد ارتأى خبراء متحف بوخارست أنه لا بد لهم من توثيق المباني التراثية في الحي قبل بدء عمليات الهدم لوضع قوائم تساعدهم فيما بعد على تحديد ما دمر من شوارعه ومنازله. ولم تقتصر عملية التوثيق على حي أورانوس بل شملت جميع المناطق والأحياء التي هدمت آنذاك في إطار سياسة التخطيط العمراني .كما أن القوائم التي وضعها خبراء المتحف تضمنت إلى جانب المنازل المرشحة للهدم إحصاءات حول سكانها وبيانات حول أوضاعهم الاجتماعية والمهنية . ولا تزال تلك الوثائق والقوائم في حيازة متحف بوخارست.”
أدرك الخبراء حجم الدمار الذي كان ليلحق بالتراث المعماري للعاصمة إثر تنفيذ سياسة التخطيط العمراني وبذلوا قصارى جهدهم لإنقاذ ما أمكن إنقاذه. وقد انضم موظفو مكتب التراث الثقافي لمدينة بوخارست إلى تلك الجهود:
قمنا بتفقد المنازل المدرجة في قوائم عمليات الهدم لتحديد المكونات التي تستحق الإنقاذ لقيمتها التراثية العالية . على سبيل المثال كانت لبعض المنازل أبواب ضخمة من الخشب المنقوش أو أبواب داخلية من البلور أو نوافذ مرسومة أو مقابض أبواب جميلة من النحاص . قمنا بإعداد قوائم بكل المكونات والعناصر القيمة تلك لكننا لم نتمكن من تفقد جميع المنازل لأن عمليات الهدم كانت تسير بسرعة مذهلة . كانوا يدلنونا على الشوارع التي يريدون هدمها في الفترة المقبلة ويطالبوننا بإعداد القوائم بسرعة لكنهم كانوا يسبقوننا دائما ويبدئون بهدمها في صباح اليوم التالي أو في غضون يومين على الأكثر.”
سرعة تنفيذ عمليات الهدم في حي أورانوس حالت دون إنقاذ المكونات القيمة المسجلة في القوائم :
” زرت منازل جميلة جدا ورأيت فيها مكونات رائعة كالنوافذ المرسومة والأبواب الجميلة المنقوشة وأخرى من البلور فضلا عن مرايا رائعة وعناصر زخرفية متميزة سجلتها في القوائم ..كنت أزور عدة منازل في اليوم على أن أعود في اليوم التالي لمواصلة الزيارات . وبمجرد عودتي إلى الحي في اليوم التالي كنت ألاحظ أن المنازل التي زرتها في اليوم السابق قد هدمت وأن الأبواب المنقوشة والنوافذ المرسومة كانت ملقاة فوق أكوام من الركام . حينها أدركت أن السلطات طالبتنا بإعداد تلك القوائم لذر الرمال في العيون. “
بعد عام 1989 ألقي اللوم على الديكاتور نيكولاي تشاوشيسكو لهدم حي أورانوس التاريخي . مما لا شك فيه أنه كان المسؤول الرئيس عن الدمار الذي لحق بالعاصمة أثناء تطبيق سياسة التخطيط العمراني ولكنه لم يكن المسؤول الوحيد برأي المؤرخة سبيرانتسا دياكونيسكو :
“لم يكن زعيم الدولة المذنب الوحيد فيما حصل فشاوشيسكو وإن كنا نعتبره رجلا بدائيا كان أدهى من أن يوقع على قرارات الهدم قبل تنفيذ العمليات بالتالي كان يوقعها بعد تنفيذها فقط . الشيء نفسه انطبق على قرارات إنقاذ المعالم التاريخية التي كان يوقعها كذلك بعد تنفيذ العمليات . في الواقع كانت قرارات الهدم تعتمد من قبل مسؤولين آخرين كانوا ينصاعون لقرارات الزعيم بلا كلل إما خشية العقاب أو أرضاء للقيادة العليا.”