الشباب والسياسة
رازفان بيتري درس العلوم السياسية في كلية الملك في لندن وانخرط في العمل المدني والسياسي بخلاف كثيرين من الشباب الرومانيين
Diana Baetelu, 25.09.2023, 14:41
رازفان بيتري درس العلوم السياسية في كلية الملك في لندن هو طالب ماجستير في السياسة العامة في كلية الجامعة بالعاصمة البريطانية . وقد انخرط رازفان في العمل المدني و السياسي بخلاف كثيرين من الشباب الرومانيين .. سألناه لماذا لا يبالي الشباب للسياسة برأيه فقال :
” صحيح أن الشباب لا يهتمون كثيرا بالسياسة والعمل المدني ولكن ليس الذنب ذنبهم لأن عدم الاهتمام هذا ناجم عن تدني الثقة في الزعماء السياسيين المؤسسات السياسية أي في مؤسسات الدولة و المؤسسات الأوروبية بصورة عامة فالوذلك بسبب ذات الشخصيات التي يفترض أن تحكمنا وتتخذ القرارات من أجلنا . لذا فأعتقد أن لامبالاة الشباب للسياسة غير مرتبطة بالضرورة بطبيعة اهتماماتهم كما أن اهتمامهم أو عدم اهتمامهم بالسياسة ليس أكبر اليوم مما كان عليه في الماضي ولكن قادة الرأي والزعماء السياسيين لا يتواصلون مع الشباب بشكل جيد وهذا ما يحول دون مشاركة الشباب في الحياة السياسة والاهتمام بها .”
بادر رزفان بيتري مع صديقه فلاد أداميسكو بتأسيس منصة رقمية مدنية هي أطلقا عليها “السياسة في دقيقة ” في محاولة في لفت انتباه الشباب إلى المشهد السياسي ..فالمنصة الرقمية تحاول تقديم دورس في التربية المدنية للشباب عوضا عن المدرسية لا سيما وأن هذه المادة غير موجودة في البرامج الدراسية للمرحلة الثانوية وتدرس فقط في المرحلة الإعدادية :
“نقوم بجمع كل المعلومات التي نعتقد أنها مفيدة ونعرض لها بشكل موجز وجذاب يسهل فهمه في مقاطع الفيديو التي نقدمها على مواقع التواصل الاجماعي . بعبارة أخرى فإننا نتحدث عن الأحداث اليومية الرئيسية في حياة الناس بلغة السياسية والقانون وهو أمر كان ينبغي أن يفعله خبراء التواصل . أعتقد أننا إذا بدأنا بتقديم المعلومات الأساسية حول النظام السياسة وأهمية الديمقراطية منذ المرحلة الإعدادية وثم في المرحلة الثانوية نساهم في تكوين جيل أكثر مشاركة وأحسن أطلاعا على الأمور السياسية . جيل يفهم أن رئس الجمهورية لا يستطيع بناء الطرق السريعة بنفسه ويعرف أن رئيس الوزراء منتخب من قبل البرلمان ويدرك أن الانتخابات البرلمانية قد تكون أكثر أهمية أو على نفس الدرجة من الأهمية كالانتخابات الرئاسية . عندها سيفهم الشباب بشكل أفضل كيف يعمل النظام السياسي وسيتوقفون عن توجيه أصابع الاتهام إلى أشخاص لا ضلع لهم في الأمر.”
ليس كل المراهقين والشباب غير مهتمين بالمشاركة المدنية والسياسة. ويقول رازفان بيتري أنه لاحظ أن اهتمامهم بالعمل المدني والسياسي يركز في المقام الأول على أمور لها علاقة بالمجتمع الذي يعيشون فيه : ” الشباب مهتمون جدا بالأحداث المحلية التي تقع في محيطهم القريب في مجتمعاتهم ومدنهم وهذا الاهتمام ينبع من رغبتهم في جعل المدينة أو القرية التي يعيشون فيها مكانا أفضل. لذا فهو يركز على المشاريع المحلية الهادفة إلى إنشاء أو تحديث الطرق أو الحدائق أو الملاعب أو حتى المدارس. من جانب آخر لاخطت أن اهتمامهم كبير بكل ما يتعلق بحقوق الطلاب والديناميكية بين المدرسين والطلاب . فقد سألوني مرارا عما إذا كان انخراطهم في نشاط مدني ما كالعمل في المجالس الطلابية على سبيل المثال سيجدي نفعا وماذا عليهم عمله من أجل تمثيل الطلاب بشكل أفضل.”
دراسة شاملة أجرتها مؤسسة فريدريخ إيبرت في عام 2019 أظهرت توجهات مثيرة للقلق بين الشباب فرغم أن غالبية الشباب رومانيين يعتبرون أن الديمقراطية هي نظام الحكم الوحيد المقبول إلا أن ثلاثة وعشرين بالمائة منهم قالوا إنهم قد يأخذون بالاعتبار نظام الحكم الديكتاتوري في ظل ظروف خاصة . أما دراسة أخرى أجريت مؤخرا ولم تشمل رومانيا فأظهرت أن تقبل الحكم الاستبدادي موجود لدى الكثير من الشباب حول العالم. فقد أظهرت الدراسة والتي أجريت في مايو أيار من عام 2023 في ثلاثين دولة تحت عنوان “بارومتر المجتمع المفتوح: هل الديمقراطية فعالة؟” أظهرت أن سبعة وخمسين بالمائة فقط من الشباب ما بين الثامنة عشرة والسادسة والثلاثين من العمر يعتقدون أن الديمقراطية أفضل من أشكال الحكم الأخرى فيما أعرب اثنان وأربعون بالمائة منهم عن تأييدهم لحكم العسكر.
ومع ذلك يعتقد رزفان بيتري أن ميول نحو ربع الشباب الرومانيين إلى النظام الاستبدادي كما ظهرت في استطلاع عام 2019 وهي ميول لا تزال قائمة يجب قراءتها في السياق الروماني الحالي : “الثقة في المؤسسات الديمقراطية منخفضة للغاية وكأن الزمن قد عفا عليها فالديمقراطية تتحرك ببطء شديد والنتائج تتأخر في الظهور .شيء آخر مهم أن الاستطلاع تطرق إلى مسألة استمرار نفس المسؤولين السياسيين في مناصبهم لمدة طويلة ما يخلق لدى الكثير من الناس انطباع أن هولاء سيبقون في السلطة مهما حصل وأن شيئا لن يتغير أيا كانت الشخصيات التي تصل إلى سدة الحكم .لذا فإن الكثير من الناس يشعرون بالحاجة إلى قائد قوي وإن كان سيغض الطرف عن القواعد الديمقراطية – وهي عادة تبطئ عملية صنع القرار – ليفرض أفكاره ومطالبه ويحل مشاكل الناس. وهذا ما يفسر تفضيل البعض للحركات السياسية التي تقترح نظاما بديلا أو إصلاحا شاملا وجذريا للنظام السياسي الحالي على اعتبار أن مثل هذا النظام سيحقق نتائج قد لا تكون أكثر شرعية أو ديمقراطية لكنها ستظهر بسرعة . الأحزاب السياسية في رومانيا تتحمتل جزءا من المسوؤلية عما آلت إليه الأمور لأنها تتصرف مثل الكارتل بمعنى أنها تعزز شرعيتها عبر المخصصات التي تحصل عليها من الدولة وهي كبيرة جدا كما أنها تضع عراقيل أمام الأحزاب الصغيرة وتحول دون دخولها النظام السياسي مثل الحصول على مئتي ألف توقيع كشرط للترشح أو تحديد نسبة خمسة بالمائة كعتبة انتخابية .. وبالتالي نرى نفس الأحزاب في السلطة دائما ونشعر بأن شيئا لن يتغير ولن يكون هناك أي إصلاح حقيقي وهذا ما يفسر الشغف لشيء مختلف جديد وفعال . فليس احتضان أيديولوجية متطرفة أو استبدادية الدافع وراء تفضيل “اليد الحديدية” وإنما الشعور بخيبة أمل ناجمة عن عدم كفاءة النظام السياسي الحالي.