آثار هجرة العمل على الأطفال
عدد كبير من الأسر يتفكك بسبب استقرار أحد أفرادها أوأكثر في الخارج للعمل
Diana Baetelu, 16.05.2023, 12:10
مع ارتفاع أعداد الرومانيين الذين هاجروا إلى الغرب وخاصة إلى بلدان الاتحاد الاوروبي من أجل العمل تفاقمت أيضا ظاهرة الأطفال المتروكين في رعاية الأجداد أو غيرهم من الأقارب وهي ظاهرة يعتبرها الخبراء أحد أكثر آثار الهجرة حدة ومأساوية . ورغم أن كثيرين يأخذون أطفالهم معهم إلى بلد المقصد إلا أن عددا لا بأس به من الأسر يتفكك نتيجة استقرار أحد أفرادها أو أكثر في الخارج . لطالما حذرت منظمة أنقذوا الأطفال من آثار هجرة اليد العاملة على الأطفال وفي عام 2022 قامت بتقييمها في دراسة أجريت ما بين شهري يوليو تموز وسبتمبر أيلول من العام نفسه وأظهرت أن ما يقارب ربع الأطفال في سن السابعة عشرة أو أقل كان أحد والديه أولا يزال يعمل في الخارج . وكان الأب هو الوالد الغائب لواحد وستين بالمائة من أولئك الأطفال فيما كانت الأم هي الغائبة عن الأسرة لعشرين بالمئة منهم وغاب كلا الوالدين عن ثمانية عشر بالمائة من المستطلعة آراؤهم ضمن تلك الدراسة . أما في الوقت الحالي فيقدر عدد الأطفال الذين يغيب أحد والديهم أوكلاهما بما يزيد عن خمسمائة ألف طفل ومعظمهم من الأطفال الصغار . بصورة عامة تهاجر الأم من أجل العمل بعد بلوغ الطفل سن السادسة في حين أن الأب عادة ما يهاجر بينما لا يزال الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة . كما أظهرت الدراسة أن قرار الهجرة يتخذ باستشارة الأطفال بصرف النظر عن أعمارهم .أنكا ستامين ممثلة منظقة أنقذوا الأطفال قالت بهذا الصدد :
“ثلاثة وثمانون بالمائة من البالغين المستطلعة آراؤهم قالوا إن قرار الهجرة اتخذ بعد استشارة الأطفال في حين أن غالبية الأطفال قالوا إن القرار اتخذ دون استشارتهم . وبناء على هذه النتائج نميل إلى تصديق الأطفال لا سيا وأن أكثر من ثلث الأطفال الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم لم يوافقوا على هجرة الوالدين سواء استوشروا أم لا ..بالإضافة إلى ذلك أود أن أذكر بأن الدراسة كشفت أن غالبية الأطفال الذين هاجر أحد والديهم أو كلاهما غير مسجلين في إحصاءات خدمات الرعاية الاجتماعية وأن فقط تسعة وثلاثين بالمائة من أولياء الأمور أبلغوا خدمات الراعية الاجتماعية بوضع أطفالهم وأبلغ سبعة وخمسون منهم بالمائة المدرسة فقط . وهذا يعني أن لا المدرسة ولا الخدمات الاجتماعية تملك إحصاءات كاملة ودقيقة حول أوضاع أولئك الأطفال.”
عدم توفر الإحصاءات الدقيقة يصعب تدخل السلطات والمنظمات غير الحكومية عند الحاجة من أجل تقديم المساعدة الدعم لهم . دراسة منظمة أنقذوا الأطفال تشيرأيضا إلى المخاطر الإضافية التي يتعرض لها أولائك الأطفال:
“تبين أن هناك فوارق كبيرة بين الأطفال الذين هاجر آباؤهم من أجل العمل وسواهم لا سيما فيما يتعلق باحتمالية التعرض لسلوكيات أو مواقف خطيرة وضارة فاحتمال التعرض لمشاهد جنسية صريحة ومواد إبحاية عبر الإنترنت يقدر بثمانية وثلاثين بالمائة للأطفال الذين هاجر آباءهم كما أن احتمال الانخراط في سلوكيات عدوانية تجاه الآخرين يتضاعف في حالة أولئك الأطفال كما يزيد احتمال تعاطي المخدرات والبدء بالتدخين .وكل ذلك نتيجة انعدام المراقبة الأبوية والتواصل المنقوص مع الآباء أو أفراد الأسرة الذين تركوا في رعايتهم من جهة وسهولة الحصول على الأجهزة الإلكتروية والتربية الصحية الناقصة من جهة أخرى . لكن السلوكيات العدوانية في مثل هذه الحالة قد تكون طريقة للتنفيس عن المشاعر السلبية المتراكمة لدى الطفل بعد رحيل والديه . ففي بعض الحالات يشعر الطفل بأنه منبوذ وفي حالات أخرى قد يشعر بالذنب والمسؤولين عن رحيل والديه . لذا فمن الخطأ أن نقول للأطفال إننا نهاجر من أجلهم ومصلحتهم لأننا بذلك نكون قد وضعنا ضعطا كبيرا عليهم.”
الثورة الرقمية تسهل التواصل بين الآباء المهاجرين والأطفال الذين تركوهم في ديارهم وتساهم في الحفاظ على الأواصر الأسرية . فغالبية الآباء المقيمين في الخارج يتواصلون مع أطفالهم عبر تقنية الفيديو في حين أن تسعة عشر بالمائة منهم يتواصلون عبر الهاتف فقط . أما فيما يتعلق بعدد مرات الاتصال فيتواصل خمسة وأربعون بالمائة من الآباء مع أطفالهم مرة واحدة في اليوم ويتصل خسمة عشر بالمائة بأطفالهم عدة مرات في اليوم. ثلاثة وثلاثون بالمائة من الآباء المهاجرين يتصلون بأطفالهم مرة كل يومين ويتصل سبعة بالمائة منهم مرة واحدة في الأسبوع فقط . أندريا بينيسكو تبلغ الحادية عشرة من العمر وتتواصل بانتظام مع والدهها المقيم في سويسرا للعمل منذ عشر سنوات :
“نتواصل عبر الهاتف أو الرسائل النصية وأحيانا يأتي إلى رومانيا لقضاء الإجازة . علاقتي ما والدي ليست بالدافئة للغاية ولا بالباردة للغاية لأننا نتواصل فيما بيننا. لكن علاقتي مع والدتي أوثق بكثير.”
تقول أندريا أيضا إنها لم تزر أباها في سويسرا أبدا لكنها قد تقضي أسبوعين هناك في الصيف القادم.. وتضيف قائلة إن الرغبة في تحسين الأوضاع المالية كانت السبب وراء قرار أبيها بالهجرة من أجل العمل . ورغم اعترافها بأن الأوضاع المالية للأسرة قد تحسنت بشكل ملحوظ إلا أنها تتمنى لو أن أباها لم يهاجر إطلاقا وتستبعد احتمال أن تهاجر هي الأخرى إلى سويسرا :
“الفرصة سانحة ولكنني لا أريد ذلك واعقتد أن أمي أيضا لا تريد ذلك لأننا بنينا حياتنا هنا خطوة بخطوة وتعودنا عليها ولدينا هنا زملاء وأصدقاء .من جانب آخر أعقتد أنه من الصعب أن نبدأ حياة جديدة من الصفر ونتعلم لغة جديدة ونتكيف مع نمط حياة جديد.”
أظهرت دراسة منظمة أنقذوا الأطفال رومانيا أن هجرة أحد الوالدين هي السبب الرئيس وراء التعثر الدراسي لاثنين وستين بالمائة من تلاميذ المرحلة الابتدائية في سنوات الدراسة الأولى.