المهاجرون من وإلى رومانيا
وفقاً لما تشير إليه بعض الإحصاءات الرسمية، التي نوقشت في الصحافة مؤخرا، فإن عدد الرومانيين الذين غادروا البلاد خلال الفترة بين 2007-2017 قد بلغ ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف روماني أي حوالي 17% من مجموع سكان رومانيا. معظمهم، غادر البلاد، لفترة أطول من سنة،
Christine Leșcu, 05.04.2018, 16:40
المرصد الاجتماعي، وهو مشروع اجتماعي لمؤسسة فريدريخ إيبيرت (Friedrich Ebert) الألمانية في رومانيا، فصل وضع هؤلاء، الذين كان عددهم، في عام 2017ـ أكثر قليلا من مليونين وخمسمائة ألف شخص، حيث تُخبرنا/ فيكتوريا ستويتشيو، منسقة البرامج في مؤسسة فريدريخ إيبيرت، بالمزيد:
يوجد إحصاء يتعلق بالفترة بين 2003-2017. من ناحية، يبرز عدد الرومانيين الرومانيين المستقرين في الخارج لمدة أكثر من عام، في 2017. أما من ناحية أخرى، فيتعلق بالتوجه المتزايد نحو مغادرة البلاد. ولكن هذا الرقم، لا يشمل الهجرة الموسمية، أي لا يأخذ في الحسبان عدد الرومانيين الذين يغادرون البلاد للعمل في الخارج لمدة ثلاثة أو ستة أو ثمانية أشهر في السنة، علما بأنهم يسافرون إما لقطف الفراولة، أو للعمل في مجال البناء. وإذا أضفنا هؤلاء، فإن العدد سيترفع بالتأكيد. وبالتالي، فإن العدد الإجمالي للذين غادروا البلاد يتجاوز ثلاثة ملايين، إذا كنا سندرج هؤلاء الذين يسافرون لمدة أقل من عام.
إن هذا الوضع يجعل رومانيا قابلة للمقارنة مع إحدى البلدان التي تواجه حرباً مدنية مطولة، حيث أن بلدنا يحتل مباشرة المرتبة الثانية بعد سوريا في قمة قائمة الهجرة. فيكتوريا ستويتشو، مجدداً:
إنها في المركز الثاني بعد سوريا في العالم، فيما يخص وتيرة النمو في الشتات. وليس المقصود هنا العدد الكلي للمهاجرين، ولا نسبة المهاجرين من العدد الإجمالي للسكان، وإنما من حيث وتيرة النمو. السرعة التي غادر بها الرومانيون بلادهم تجعلنا نحتل المرتبة الثانية بعد سوريا. وهذا الأمر، على أي حال من الأحوال، مقلق جداً، حيث ابتداءً من عام 2000، سجلت رومانيا فترات من النمو الاقتصادي. ولذلك، يتوجب علينا أن نضع بضعة أسئلة جادة جداص بخصوص نموذج النمو. كيف يُلاحظ وكيف يوزع هذا النمو بين صفوف السكان طالما أن سرعة مغادرة السكان لرومانيا تجعلها نحتل المرتبة الثانية بعد بلد يعيش حالة حرب مدنية؟
وتغادر البلاد، على وجه الخصوص، فئة هامة جدا للاقتصاد الروماني الحالي والمستقبلي: الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والثامنة والثلاثين، والذين يمثلون حوالي 20% من العدد الإجمالي للمهاجرين الرومانيين. كما يغادر، بالمثل أيضاً، الكثير من العمال المؤهلين، سواءً أكانوا متوسطي التأهيل في مجالات مثل: البناء أو مؤهلين تأهيلاً عالياً مثل: الأطباء أو المُبرمجون. وفي هذه الظروف، فإن الفراغ الذي تتركه هذه المغادرات في سوق العمل الرومانية، يبقى، في الوقت الراهن، دون تغطية.
إذا كان هذا وضع الذين يخرجون من رومانيا، فكيف تبقى الأمور مع الذين يدخلون؟ فعلى سبيل المثال، في نهاية عام 2017، تشير البيانات التي جمعتها المفتشية العامة للهجرة إلى أن في نهاية عام 2017 كان يوجد حوالي سبعة وستين ألف أجنبي قادمين من دول أخرى، بما فيهم أفراد يحظون بحماية دولية، أي لاجئين. ومن بين هؤلاء يوجد عدد أكبر بقليل من ثمانيمائة شخص وصلوا إلى رومانيا عبر آلية الاتحاد الأوروبي لإعادة توزيع اللاجئين. وفي العام الماضي أيضاً سُجل أكثر من أربعة آلاف وثمانمائة وعشرين طلب لجوء سياسي، بزيادة ملموسة مقارنة مع معدل السنوات الماضية، حيث كان عدد طلبات اللجوء حوالي ألف وخمسمائة طلب. ولكن من هم الأشخاص القادمون من دول أخرى، الذين يقيمون في رومانيا أو يطلبون اللجوء فيها؟ ولماذا يختارون رومانيا؟ بصفة عامة، هم رجال فُرادى، والذين بمجرد حصولهم على لجوء أو على حماية دولية في رومانيا، يمكنهم دعوة أسرهم. وبشكل آخر، فإن لم شمل الأسر أو الانضمام إلى فرد أسرة مستقر مسبقاً في رومانيا، هما السببان الرئيسيان اللذان يجعلان كثيراً من الأشخاص القادمين من دول أخرى يأتون إلى رومانيا. ولكن يوجد أيضاً سببٌ آخر نجده كثيراً في الآونة الأخيرة: ألا وهو الخوف من الاضطهاد أو أعمال العنف المنتشرة في البلدان الأصلية.
كما يوجد أجانب أتوا إلى رومانيا للحصول على وظيفة. لوتشيانا لازاريسكو- الباحثة في إطار مركز الأبحاث الوثائقية في مجال تكامل المهاجرين- تخبرنا بقولها:
العدد التقريبي للأشخاص المتواجدين في رومانيا بتأشيرة عمل يصل في الوقت الحاضر إلى حوالي خمسة آلاف وتسعمائة. ويدور الحديث حول مواطنين من دول أخرى. فمعظم تأشيرات العمل الصادرة عام 2017 مُنحت لمواطنين من فيتنام للصناعة الملاحية. وبالمثل، صدرت تأشيرات عمل لمواطنين من تركيا والصين وصربيا. ومن ضمن المهن الأكثر طلبا في سوق العمل الرومانية، والتي مُنحت من أجلها تأشيرات عمل هي: مهنة اللحام، وصناعة الأقفال والتروس والمسننات المعدنية في الإنشاءات والصناعات المعدنية والملاحية، والنجارة الإنشائية والترميمية … وبشكل عام، مهن الحرفيين المؤهلين في مجال الصناعة الملاحية.
مع الاعتراف بأن، لكثير من اللاجئين، رومانيا ليست بلد مقصد بعد، وليست جذابة على مستوى دول أخرى في غرب أوروبا، حدثتنا لوتشيانا لازاريسكو، عن برنامج حكومي للاندماج الاجتماعي للأشخاص الذين يتمتعون بحق الإقامة في رومانيا:
يوجد برنامج حكومي للاندماج الاجتماعي، موجه إلى الأشخاص الذين يتمتعون بحماية دولية: وهو عبارة عن جزمة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى تسهيل اندماج الأجانب في المجتمع الروماني، وكذلك أيضاً في سوق العمل الرومانية، بالإضافة إلى أقلمتهم مع الأعراف الرومانية والنظام المؤسسي الروماني. البرنامج يشمل دورة لتعلم اللغة الرومانية، والتوجيه الثقافي، ولكن توجد خدمات أخرى تقدمها منظمات غير حكومية شتى لهذه الفئة من الأجانب. البرنامج الحكومي يُطبق، ولكن المسألة الأكثر حساسية أسلوب التعاون بين المؤسسات المعنية بمختلف أجزاء هذا البرنامج في إدراك وتحمل هذه المسئولية.
باعتبار أن عدد الأجانب الذين يتمتعون بحق الإقامة في رومانيا قليل نسبياً، ومع الغياب التام للسياسات الخاصة بإعادة المواطنين الرومانيين المغادرين إلى الوطن، فما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتعويض القوى العاملة الناقصة؟ تجيبنا، مجددا،ً على هذا السؤال فيكتوريا ستويتشيو:
من السهل القول، ولكن من الصعب العمل على جلب المهاجرين إلى رومانيا، لأن رومانيا لا تعتبر جذابة بالنسبة لهم. في لحظة حصول مهاجر أو لاجئ على تأشيرة للاتحاد الأوروبي، يُطرح تساؤل بسيط: لماذا يقيم في رومانيا ولا يذهب للعمل إلى ألمانيا أو فرنسا أو بلجيكا، حيث تكون الرواتب أعلى بكثير؟ وبالمثل، ليس من السهل أن نجعل الرومانيين المغتربين يعودون إلى البلاد. حيث أن الأمور تتقلص، في نهاية المطاف، إلى مسألة بسيطة جداً: الراتب. الدولة لديها هذا الأداة المعنية بالراتب الأدنى الذي، على أي حال من الأحوال، نما منذ عام 2011 بمرتين ونصف، ولكن يجب أن يتكيف القطاع الخاص أيضاً، وأن يرفع الرواتب. ولكن هذا قد يعني، أحياناً، تقليص الأرباح أو حتى إغلاق الشركات. إذن، فالأمور ليست سهلة على الإطلاق، والحل ليس في متناولنا.