متحف سجن دوفتانا
وقع سجن دوفتانا في جنوب رومانيا على بعد مائة وعشرين كيلومترا عن العاصمة وافتتح في عام 1895
Diana Baetelu, 09.10.2023, 15:21
أقامت الأنظمة الشيوعية والفاشية الدنيا ولم تقعدها بصيحاتها الهستيرية حول ما تعرضت له من قمع واضطهاد على أيدي الانظمة الديمقراطية .. ولكن ما إن استحوذت على السلطة حتى لجأت إلى القمع والاضطهاد لترهيب المجتمع وبث الرعب في النفوس .. أكثر الأنظمة الاستبدادية كذبا وإرهابا هو النطام الشيوعي . ففي رومانيا قام الحزب الشيوعي بعد وصوله إلى سدة السلطة بتظيم متاحف كانت بمثابة شهادت زور وظيفتها الرئيسية الترويج لخرافات الدعاية الساسية حول معاناة الشيوعيين بعد إعلان حزبهم حزبا خارجا عن القانون في عام 1924. وقد نظمت مثل هذه المتاحف في السجون التي أودع فيها أعضاء الحزب الشيوعي في الفترة ما بين الحربين العالمتين لتورطهم في أعمال إرهابية .وقد أصبح سجن دوفتانا مضرب مثل في كل المناسبات التي تحدث فيها الحزب الشيوعي عما وصفه بنضاله ضد النظام البرجوازي . وقع سجن دوفتانا في جنوب رومانيا على بعد مائة وعشرين كيلومترا عن العاصمة وافتتح في عام 1895 وفي الفترة كما بين الحربين العالميتين أصبح معروفا بلقب ” سجن الشيوعيين” أو “الباستيل ” الروماني . حيث أودع فيه قياديو حركة الحرس الحديدي اليمينية المتطرفة وبينهم مؤسس الحركة نفسه كورنيلو زيليا كودريانو وزعيمها الجديد بعد اغتيال الأول هوريا سيما بالإضافة إلى أوائل الزعماء الشيوعيين في رومانيا وفي مقدمتهم غروغي غرغيو ديج الذي انتخب رئيسا للحزب في عام 1947 إلى جانب أعضاء المكتب السياسي التنفيذي ومسؤولين في اللجنة المركزية للحزب ورموز الجيل الثاني من الزعماء وبينهم نيكولاي تشاوشيسكو .ظهر متحف سجن دوفتانا على خريطة رومانيا في عام 1949 في نفس موقع السجن السابق الذي سوي بالأرض أثناء زلزال عام 1940 المدمر. وقد شاركت في إنشاء المتحف بتبرعات نقدية كبيرة منظمات وجمعيات عديدة ومن بينها “جمعية المعقلين السياسيين والسابقين” والتي كانت فرعا من فروع “الاتحاد الدولي للمعقلين السياسيين السابقين وضحايا الفاشية” بالإضافة إلى ” الجمعية الرومانية للروابط مع الاتحاد السوفييتي ” رغبة منها في المساهمة في تغطية تكاليف إنشاء المتحف التي كانت باهظة فيظل الظروفالاقتصادية الصعبة التي مرت بها رومانيآنذاك.كريسيتان فاسيلي الباحث في معهد التاريخ التابع للأكاديمية الرومانية لديه التفاصيل :
“في العاشر من نوفبمر تشرين الثاني من عام 1940 وقع زلزال قوي في رومانيا مسفرا عن انهيار الكثير من المباني ومن بينها سجن دوفتانا . لكن السلطات الشيوعية أعادت إنشاء السجن من الصفر وفق مخططات جديدة واستثمرت في المشروع مبالغ طائلة بحسب سجلات المحاسبة الرسمية رغم الظروف الصعبة التي مرت بها رومانيا في السنوات التي تلت نهاية الحرب.”
يقول الباحث كريستيان فاسيلي إن الحزب الشيوعي اعتبر متحف سجن دوفتانا جزءا من تاريخه وسيرة حياة أعضائه البارزين :
“في عهد غورغي غورغيو ديج الذي كان أول زعيم للحزب الشيوعي بعد توليه السلطة روجت السلطات بشكل كبير لقصة زنزانة الرفيق ديج . أما بعد وفاته في عام 1965 وتولي نيكولاي تشاوشيسك رئاسة الحزب فبدأت تروج لقصة زنزانة الرفيق تشاوشيسكو . بل قالت إن سجن دوفتانا هو نظير سجن الباتيل في فرنسا وأطلقت عليه “سجن النظام الرجعي في رومانيا “. ابتداء من عام 1969 بدأت السلطات الشيوعية تصف سجن دوفتانا بالمتحف الوطني لقمع الشيوعيون بل حاولت تداول فكرة أن متحف دوفتانا كفرع من فروع متحف تاريخ الحزب الشيوعي هو في الواقع متحف التاريخ الرئيس في رومانيا . ولكن مع مرور الوقت تخلت البروبغندا الشيوعية عن هذه الفكرة.”
جعل النظام الشيوعي من متحف سجن دوفتانا مزارا ومحطة ألزامية في الجولات والرحلات التي كانت تنظم للتلاميذ والطلاب كما اعتادت منظمات الطليعة على إقامة مراسم قبول الأعضاء الجدد في باحة المتحف..الموسيقار ألفريد مندلزون كرس له في عام 1950 قصيدة سمفونية ومقطوعة للكورال .أما اأما أكثر سجناء دوفتانا شعبية هو الناشط الشيوعي إليلي بيتيليي الذي كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب في ثلاثينيات القرن الماضي ولقي حتفه فيه أثناء زلزال عام 1940 . وقال الباحث كريستيان فاسيلي إن المنافسات بين المسؤولين الحزبيين رفيعي المستوى والصراعات السياسية بينهم فضلا عن تصفية الحسابات داخل الحزب الشيوعي ظهرت جلية للعيان في طريقة انتقاء صور الشخصيات المعروضة في المتحف .. على سبيل المثال عرض المتحف صور أوائل زعماء الحزب ليزيلها في عام 1965 عقب تولي ديج قيادة الحزب بسبب خلافاته مع أولئك القياديين :
“صورة شيتفان فوريش لم تعرض في متحف سجن دوفتانا على الإطلاق غير أنه كان أمينا عاما للحزب بين عامي 1940 و1944 سجن في دوفتانا في الثلاثينيات . أما صورة الحزبي الشيوعي البارز لوكريتسيو باتراشكانو فقد عرضت في المتحف منذ افتتاحه ولكنها أزيلت في عام 1948 اتهامه بالخيانة وطرده من الحزب عقب بعد تولي غورغيو ديج قيادة الحزب . الشيء نفسه ينطبق على القيادية البارزة أنا باوكر التي شغلت منصبي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بين عامي 1947 و1952 والتي اختفت صورتها من متحف دوفتانا إثر طردها من الحزب من قبل غورغي غورغيو ديج .”
أغلق متحف سجن دوفتانا ليختفي بلا أثر في عام 1990 ليس لشح الموارد المادية فسحب بل أيضا لأن الأكاذيب لا يمكن أن تعيش إلى الأبد .