مائة عام على دخول رومانيا الحرب العالمية الأولى
في 27 أغسطس/آب 1916، دخلت رومانيا في مأساة الحرب العالمية، منضمة إلى معسكر الوفاق، بعد عامين من الحياد. وجاء دخولها بضغط من فرنسا، الحليف الرئيسي والتقليدي لرومانيا، وكان مرتبطاً بالوضع في جبهة القتال ومعركة فيردان وهجوم الجيش الروسي
Steliu Lambru, 04.10.2016, 20:05
تحت شعار الآن أو أبداً قبلت رومانيا المشاركة في الحرب بعد أن حصلت على وعد بتوحيد الأراضي التي يسكنها رومانيون في الإمبراطورية النمساوية-المجرية، عند التوصل إلى سلام، مع مملكة رومانيا. تأجيل دخول رومانيا للحرب، كان له تفسير مزدوج: الأول كان رغبة الملك كارول الأول بأن تقاتل رومانيا إلى جانب ألمانيا، الأمر الذي رفضته الطبقة السياسية، أما الثاني فكان عدم ثقة الجيش الروماني في التحالف العسكري مع روسيا، بعد التجربة المؤسفة في حرب 1877-1878. ففي غضون عامين من الصراع، خسرت رومانيا خمسمائة وخمسة وثلاثين ألفاً وسبمعمائة من الجنود بين قتلى وجرحى ومفقودين، أي 71٪ من عدد أفراد الجيش الذين دخلت بهم الحرب، محتلة المركز الرابع في الترتيب الأسود بعد الإمبراطورية النمساوية-المجرية، التي فقدت 90 ٪ من قواتها، متبوعة بروسيا التي فقدت 76٪، ثم فرنسا التي فقدت 73٪. ويُضاف إلى هذه الخسائر مقتل ثلاثمائة ألف من المدنيين، من بينهم: مائتين وخمسين طبيباً، وألف كادر صحي بسبب الحمى النمشية أو التيفوس. ولكن رومانيا في نهاية الحرب تلقت تلك الأراضي، وبدأت تتشكل رومانيا الكبرى، بثمن تلك التضحيات البشرية الهائلة.
تاريخ هذه الحرب عانى من تغييرات كان لها تأثيرٌ في المفاهيم العامة حول تلك السنوات. فبعد الحرب، ضحايا، حظي الضحايا وورثتُهم والمعاقين والناجين بإهتمام أميري. كان التاريخ أقل انتصاراً، صدمة الخسائر في الأرواح البشرية، كانت لا تزال تخيم على إعادة الترميم النفسية والمادية للنسيج الاجتماعي. التاريخ أصبح مُناصراً متشدداًً، مع مرور الوقت، أما الأفكار والأيديولوجيات السياسية، فقد وضعت البعد الإنساني في الظل تدريجيا، على حساب الوطنية والمصلحة القومية. مآسي الحرب العالمية الأولى، بدأت تصبح غير مرئية، كمآس إنسانية، ولكن كتضحيات فعلية لمصلحة الوطن. هكذا كان حال رومانيا التي مرت عبر مراحل التاريخ المتشدد، وكل ذلك بلغ مرحلة الذروة إبان النظام الشيوعي، الذي شوه بشكل خطير معاني الأحداث، التي وقعت منذ 100 عام.
دخول رومانيا في الحرب الكبرى، يجب أن يُنظر إليه – يعتقد المؤرخ/ رازفان بيرياناو، من جامعة بيترو مايور في مدينة تيرغو موريش – كاسترداد أو استعادة للمعاني والخبرات الأصلية للأشخاص آنذاك:
لا يمكننا النظر إلى الماضي كأبرياء. معاني، وعبرات، ودلالات أبسط الكلمات مختلفة. كثير من الناس سيقولون أن ذلك نسبي. إن ذلك ليس نسبياَ، إنما هو إدراك فهم حقيقة أننا نفهم بشكل مختلف عن آبائنا وأجدادنا، فكرة الأمة، فكرة الشعب. كتب برنارد باكيه، عالم الاجتماع الفرنسي، الذي جاء الى رومانيا في تسعينيات القرن الماض، مقالا حول ما وصفها بمجمدة الأفكار الخطئة. وكانت هذه هي الفترة التي كتب فيها روبرت كابلان عن أشباح البلقان. مقاله باكيه كانت رداَ على رأي مفاده أن النظام الشيوعي قد جمع أشباح الماضي في ثلاجة وجمدها، أما بعد عام 1989، فقد قام شخص بقطع التيار الكهربائي عن الثلاجة من مقبس الحائط، وعادت الأشباح وبدأت تحوم وتصول وتجول وتطارد المجتمع. باكيه يقول بكل وضوح إن الأشباح ليست نفسها، ولا توجد أية ثلاجة. النظام الشيوعي لم يفسد جذرياً معاني الكلمات فحسب، ولكن المجتمع نفسه، الذي يفهم المعاني.
يقال إن الكلمات تجذب الواقع، أي أن معناها قوي لدرجة، بحيث يصبح حاسماً في تشكيل الآراء. ويعتقد رازفان بارايانو، أن التاريخ يجب أن يصيغ تفسيرات ذات مصداقية للحرب العالمية، دون أن يتأثر بالأيديولوجيات:
لا يمكننا أن ننظر أبرياء إلى الحرب العالمية الأولى، بين 1916 و 2016 توجد فجوة كبيرة من شأنها أن تغير معاني الكلمات والأفعال. التاريخ المفاهيمي لراينهارد كوسيليك يظهر أن الدلالة مرتبطة بالتغيرات التي تحدث في المجتمع، ومع التغيرات التي تجلبها الحياة السياسة. ولا يدور الحديث حول تغيُر فوري. المعاني لها تأخير، ويجب أن ننتبه إلى التغييرات. المؤرخ الهولندي/ فرانك آنكرشميت، يؤكد أن لغة السرد، ليست لغة- شيء مادي. آنكرشميت يريد القول إن عالم الآثار يجد أشياء قديمة، يحفر ويستخرجها يكشف عنها، ولكن الشيء يبقى شيئاً، نحن لا نتعامل مع أشياء، نحن نتعامل مع معاني ومفاهيم، مع الدور الذي كان لهذه الأشياء في وقتها. إذا كان لنا أن نتصور أو أن نتخيل، في الألفية الثالثة، خبير آثار سيحفر وسيعثر على زجاجة، قد يعتقد بأن نشرب النبيذ من تلك الزجاجة. ولكن ربما كانت تلك الزجاجة مصباحاً، أو لربما كانت قد استخدمت كعبوة ناسفة من خليط كوكتيل مولوتوف. يا للإحراج، يا لها من سخافة، أن يحدث إلتباس ويُظن أن المصباح خليط كوكتيل مولوتوف لأن الشكل هو نفسُه، ولكن دورَهما مختلفٌ تماماً؟
قراءة الصحف واليوميات والرسائل والمذكرات الشخصية من سنوات الحرب العالمية الأولى، تبين لنا الروح التي رافقت رحيل مئات الآلاف من الرومانيين نحو مسار غير معروف، مختلف عن ذلك الذي اعتدنا عليه. بالنسبة لكثيرين منهم، المسار كان واحداً بلاعودة. في نهاية الحرب، كانت رومانيا الكبرى مكافأة تضحيتهم، ولكن الأحباء كانوا يعتبرونها كبيرة جداً.