عام 1918 ورومانيا الجديدة
شهدت أوروبا في نهاية الحرب العالمية الأولى تغيير حدود بعض الدول وظهور دول جديدة على الخريطة
Diana Baetelu, 30.11.2023, 14:35
أي دراسة للتغييرات السياسية التي شهدتها أوروبا في نهاية الحرب العالمية الأولى إثر تغيير حدود بعض الدول وظهور دول جديدة على الخريطة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حدثين كانت لهما آثار بالغة الخطورة على الشعوب الأوروبية أولهما قائم على وقائع هي الحرب العالمية الأولى التي حصدت أرواح أكثر من عشرين مليون شخص بين عسكري ومدني وأوقعت ما لا يقل عن ثلاثة وعشرين مليون جريح. كانت مواجهة عسكرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية بين كتلتين عسكريتين متناحرتين هما قوى الوفاق التي تكونت من فرنسا وبريطانيا وروسيا واليابان وإيطاليا والولايات المتحدة من جهة والقوى المركزية التي تضمنت ألمانيا والنمسا والمجر وتركيا وبلغاريا من جهة أخرى . فكانت الحرب العالمية الأولى كغيرها من الحروب التي شهدها التاريخ الحديث الحدث الذي حسم ترسيم الحدود الجديدة في أوروبا أما الحدث الثاني القائم على أوهام فهو انتصار الثورة البلشفية التي اندلعت في روسيا القيصرية إبان الحرب وأعطت كل من اعتقدوا أن الوقت كان قد حان لبناء عالم أفضل على أنقاض العالم القديم دافعا قويما للغاية للمضي قدما في تحقيق أهدافهم .
دفعت رومانيا ثمن الحرب باهظا من دماء أبنائها . فرغم أنها دخلت الحرب بعد عامين على نشوبها أي في عام 1916 إلا أن الرومانيين قدموا من التضحيات في العامين الأخيرين منها ما كان يكفي للسنوات الأربع بأكملها إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة تتراوح ما بين خمسة فاصلة سبعة بالمائة وتسعة بالمائة من إجمالي عدد سكان رومانيا آنذاك أي ما بين خمسائة وثمانين ألف نسمة إلى ستمائة وخمسة وستين ألف نسمة لقوا حتفهم إما في القتال أو جراؤ القتال أو بسبب وباء التيفوس .تضحيات كوفئت بإقامة الدولة الرومانية الوطنية الموحدة عقب اتحاد منطقة باسارابيا مع مملكة رومانيا في السابع والعشرين من مارس آذار عام 1918 وثم باتحاد منطقة بوكوفينا معها في الثامن والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني وأخيرا باتحاد كل من منطقة بانات وماراموريش وترانسيلفانيا مع مملكة رومانيا في الأول من ديسمبر كانون الأول عام 1918. وقد ارتقى العاهل الروماني الملك فرديناند وقرينته الملكة ماريا إلى جانب المسؤولين السياسيين الآخرين إلى مستوى أهمية الأحداث التاريخية التي عاصروها بحسب المؤرخ إيوان سكورتو:
“انخرط رئيس حزب الوطني الليبرالي إيون بريتيانو في الأحداث التي توالت بعد نهاية الحرب وتكللت باتحاد جميع الأراضي ذات الأغلبية الرومانية ضمن دولة وطنية موحدة .. فقد أرسلت كل من منطقة باسرابيا وبوكوفينا وترانسيلفانيا مندوبين إلى مدينة إياش لإجراء مباحثات مع الملك فرديناند وبراتيانو وغيرهما من المسؤولين السياسيين حول الخطوات التي كان يتوجب القيام بها من أجل إعلان الاتحاد. وقد ترأس براتيانو الوفد الروماني إلى مؤتمر باريس للسلام حيث واجه كبار السياسيين آنذاك وبينهم الرئيس الأمريكي ويلسون ورئيس الوزراء البريطاني . الملك فرديناند كان ألمانيا وكان قبل مجئه إلى رومانيا ضابطا في الجيش الألماني. وعندما قرر مجلس التاج دخول الحرب ضد ألمانيا ضحى الملك باعتباراته شخصية من أجل رومانيا .وتجدر الإشارة إلى دور الملكة ماريا في إقناع الملك بتقديم تلك التضحيات من أجل الشعب الروماني و القبول بدخول رومانيا الحرب إلى جانب قوى الوفاق . وقد وقف الملك والملكة إلى جانب الشعب والجيش والزعماء السياسيين طوال سنوات الحرب “.
في الأول من ديسمبر كانون الأول من عام 1918 انعقدت في مدينة ألبا يوليا الجمعية الوطنية للرومانيين في ترانسيلفانيا حيث طالب المجلس الوطني الذي كان هيئة تمثيلية ذات صلاحيات تشريعية – طالب بعقد اجتماع لمندوبي المناطق وعددهم ألف ومئتين وثمانية وعشرون مندوبا لصياغة بيان الاتحاد مع مملكة رومانيا والتصويت عليه اعتبارا منه بأن مثل هذا الحدث لا يمكن تكريسه إلا عبر الاقتراع العام . لقد كان الوقت قد حان ليستخدم الرومانيون حق التصويت وهو الحق الذي كانت الأحزاب الرومانية والمنظمات الوطنية في منطقة ترانسيلفانيا قد ناضلت من أجل الحصول عليه منذ عام 1881 اعتبارا منها بأنه يضمن أفضل تمثيل انتخابي للرومانيين.
التصويت على اتحاد منقطة ترانسيلفانيا مع رومانيا جاء تعبيرا عن الإرادة الوطنية وجرى في وقت كان الاقتراع العام قد بات ضرورة وطنية ملحة في ظل انتشار الأفكار الداعية إلى تحولات راديكالية في أوروبا . المؤرخ وخبير السياسة دانييل باربو يعتقد أن اللجوء إلى الاقتراع العام كمماراسة ديمقراطية يجب تفسيره في سياق الثورات البلشفية وانشتار الفوضى في أوروبا بعد سنوات الحرب الأربع وهي تطورات كان المنخرطون في عملية التوحيد يشاهدونها بأم أعينهم : ” هل كان المشاركون في الجمعية الوطنية في ألبا يوليا أو على الأقل أولئك الذين كلفوا بصياغة بيان الاتحاد من الديمقراطيين؟ مما لا شك فيه أنهم كانوا من الوطنيين الرومانيين وأصحاب الخبرة البرلمانية والِسياسية . ماذا حدث في السادس من ديسمبر كانون الأول بعد التصويت على بيان الاتحاد ؟ الجيش الروماني احتل منطقة ترانسيلفانيا وكان لاعبا هاما للغاية في ترسيم الحدود وإعادة الهدوء إلى رومانيا .”