المسرح من أجل مكافحة التنمر والتمييز في المدارس
أظهرت دراسة أجرتها منظمة "أنقذوا الأطفال" مطلع العام الجاري أن واحدا من بين كل تلميذين اثنين في رومانيا تعرض للتهديدات أو الإهانة أو العنف الجسدي
Diana Baetelu, 16.10.2024, 15:30
أظهرت دراسة أجرتها منظمة “أنقذوا الأطفال” مطلع العام الجاري أن واحدا من بين كل تلميذين اثنين في رومانيا تعرض للتهديدات أو الإهانة أو العنف الجسدي وأن اثنين وثمانين بالمائة من التلاميذ شهودا حوادث من هذا النوع . وبحسب تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الصحة العالمية فإن رومانيا تحتل المرتبة الثالثة بين البلدان الأوروبية من حيث مدى انتشار التنمر بصورة عامة .من جانب آخر يواجه الأطفال الغجر ظاهرة الفصل العنصري في المدارس رغم إقرار البرلمان تشريعات تحظر هذه الممارسة .
في شهر سبتمبر أيلول الماضي قامت جمعية “الأعمال المسرحية ” بجولة شملت خمس مدارس في أربع مجتمعات ضعيفة في جنوب رومانيا قدمت أثناءها مسحرية “أنا أيضا غجري” التي تعرف المشاهدين بوضع الغجز في رومانيا .والجدير بالذكر أن المسحرية مستوحاة من ثلاث قصص حياة حقيقية .
الممثل أندريه شيربان مؤسس جمعية “الأعمال المسحرية” يعمل في المسرح الاجتماعي منذ سعبة عشر عاما ويقول أن الدافع وراء إنتاج المسرحية وتقديمها للجمهور بهذه الطريقة هو تجربته الشخصية كشاب من أصول غجرية ومن فئة الغجر الذين يصنفون كغير مرئيين بمعنى أن الصفات البدنية المميزة للعرق الغجري لا تظهر عليهم: “لم أفصح عن انتمائي إلى الغرق الغجري إلا بعد بلوغي سن العشرين خشية التعرض للتمييز . الحقيقة أني أسمع أحاديث عنصرية كثيرة لأن الناس لا يدركون أنني غجري . لذا فإن العرض المسرحي هذا يقترح على الأشخاص الذين يتعرضون لممارسات عنصرية كما للأشخاص الذين يشهدون مثل هذه الحوادث أدوات لمواجهتها والاستجابة لها .”
تقول الممثلة مادالينا براندواشا إن السبب وراء اختيار الفريق المجتمعات الضعيفة لتقديم العرض لها هو أن سكان تلك المجتمعات قلما يصلون إلى المسرح والفعاليات الثقافية بصورة عامة مقارنة بالجمهور المتعلم في بوخارست أو لا يصلون إليها إطلاقا . وقالت مادالينا أيضا أن بعضا من المراهقين الذين حضروا إلى المسرح شاهدوا مسرحية للمرة الأولى في حياتهم .
أما عن تلقي العرض من قبل الجمهور فقال أندري :” حرصنا على إضفاء روح الدعابة على المسرحية كما قمنا بتكييف لغتها اللغة التي يستخدمها المراهقون . وكانت ردود أفعالهم إيجابية حيث قالوا إن قصص حياة شخصيات المسحرية تشبه قصص حياتهم هم إلى حد بعيد . كما أن كثيرين منهم اعترفوا علنا للمرة الأولى بانتمائهم إلى العرق الغجري . أنه أمر يسعدنا لأنه يثبت أن العرض قد حقق أحد أهدافه .”
وقال أندري ومادالينا أنهما يشعران ببعض القلق قبل كل عرض بسبب احتواء النص المسحري لانتقادات للمدرسين . ولا بد من التذكير أن العرض ليس العمل الوحيد الهادف إلى مكافحة التنمر الذي تقوم به الفرقة في المدارس .. ففي السنوات الماضية قامت الفرقة وعدد من الطلاب بتصوير مقاطع فيديو حول التنمر في المدارس سجل أحدها أكثر من مليون مشاهدة حتى الآن.
وأوضحت مادالينا أنه قبل تصوير مقاطع الفيديو تلك أقامت الفرقة سلسلة ورش عمل على مدار ثلاثة أشهر مع تلاميذ في مجتمعات ريفية وحضرية من أجل التعرف على الصعوبات والمشاكل التي يواجهونها. وفيما يتعلق بالخطوات التي يمكن للمدارس والسلطات القيام بها من أجل مكافحة التنمر المدرسي بشكل أكثر فعالية قالت مادالينا : “أعتقد أن المدارس تحتاج إلى إدراج مادة مكافحة التنمر في المنهاج الدراسي وتخصيص حصة واحدة في الأسوبع لهذه المادة بالإضافة إلى ورش العمل المسرحية المركزة على الترويج للعلاقات والسلوكيات السليمة . لكن هذه الحصص يجب أن تستمر طوال العام الدراسي إذ لا يمكن تحقيق التائج المرجوة إذا خصصت لها حصة واحدة أو حصتان في السنة فقط .”
تحدث أندريه عن النواحي السليية التي لاحظها حضوره مؤتمرا مع المدرسين والسلطات وممثلي الشرطة والأخصائيين الاجتماعيين والمحامين ومرشدي المدارس مؤخرا :”من وجهة نظري يجب تغيير طريقة التعامل مع التنمر. ففي الوقت الحالي يرتكز التعامل على المعاقبة وتقتصر على المواجهة بين الضحية والمعتدي في حين أن ما ينبغي القيام به هو تصحيح سلوك المعتدي وعدم تصنيفه كمعتد لاسيما وأنه لا يزال في مرحلة المراهقة ويواجه صعوبات غالبا تكون نظامية وتنجم عن عدم تكافؤ فرص الوصول إلى الموارد. مشكلة أخرى تتمثل في أن مراهقين كثيرين وأيضا آباء كثيرين لا يمكنهم الحصول على العلاج النفسي .فطالما أن تدخل الأسرة ضروري في مثل هذه الحالات فإن الوصول إلى الطبيب النفسي والعلاج يجب أن يكون مجانيا . كذلك هناك ظاهرة العنف الأسري التي تشهدها المجتمعات الضعيفة على وجه خاص ولكن هذه الظاهرة لا تنحصر في المجتمعات الضعيفة وتحتاج هي الأخرى إلى التدخل من أجل مكافحتها “.
هيقول الخبراء أن وراء ظاهرة التنمر اضطرابات نفسية صعوبات اجتماعية كالاكتئاب وتدني احترام الذات وضعف الأداء المدرسي والقلق سواء تحدثنا عن ضحايا التنمر أو المعتدين. وقد أظهرت دراسة أن خطر الإصابة باضطراب القلق تضاعف أربع مرات بالنسبة للبالغين الذين تعرضوا للتنمر في مرحلة الطفولة مقارنة بأولئك الذين لم يمروا بمثل هذه التجربة. كما أن خطر الإصابة باضطراب الهلع في مرحلة البلوغ يزيد أربع عشرة مرة بالنسبة للذين تعرضوا للتنمر أو مارسوا التنمر في مرحة الطفولة .
يعتقد أندريه أن الطلاب لا يتاحون فرصة العمل كفريق أو كشركاء في المدرسة بما فيه كفاية كما لا يوجد مدرسون مدربون على “تدريس ” التعاطف والقدرة على فهم مشاعر الآخرين على حد قوله: “يبدو لي أن المدرسة باتت تنافسية للغاية الأمر الذي أدى إلى غياب شبه كامل للأنشطة المشتركة التي تتيح للتلاميذ فرصة العمل معا أو التعرف على بعضهم البعض أو إقامة الصداقات فيما بينهم . أما النموذج التي طبقناه نحن فتمثل في وضع التلاميذ من مختلف الفئات العمرية ومن ضحايا التنمر والمعتدين على حد سواء في قاعة واحدة لكي يعملوا معا في التمثيل وتحضير العرض المسرحي لمدة ثلاثة أشهر . فقد تبين أنهم أصبحوا أصدقاء بمجرد إدراكهم أن التمثيل يتطلب الاعتماد على الزملاء في الفريق والثقة بههم . ولكن مثل هذه الأنشطة غير موجودة في المدارس على ما أعلم .”