السكن في رومانيا في ظل التطورات الديمغرافية الراهنة
النتائج الأولية لتعداد السكان الذي أجري عام 2021 تظهر وقائع لافتة
Diana Baetelu, 30.05.2023, 14:02
النتائج الأولية لتعداد السكان الذي أجري عام 2021 تظهر وقائع لافتة وقد تكون النتائج المتعلقة بالسكن الاكثر إثارة للاهتمام لإبرازها عمق الفجوة بين البلدات الصغيرة الخالية من السكان والتي يفوق بفيها عدد المنازل فعدد السكان من جهة والمدن والمناطق المكتظة التي تعاني من نقص للمساكن قياسا على عدد السكان .وتظهر نتائج تعداد السكان أيضا أن رومانيا تتصدر البلدان الأوروبية من حيث عدد ملاك المساكن لكنها تأتي في المراكز الأخيرة في تنصيفات جودة السكن . والخبراء يعزون الاكتظاظ السكاني في المدن الكبيرة وضواحيها إلى فرص العمل والتعليم والتسلية والترفيه المتوفرة فيها في حين أن تناقص عدد سكان القرى يعود بحسب المحاضر الجامعي ورئيس لجنة التخطيط العمراني في بلدية بوخارست بوغدان سوديتو إلى هجرة الكثير من سكان القرى إلى المدن بحثا عن حياة أفضل :
“هذه الظاهرة تعمقت بعد عام 1990 وخاصة بعد عام 2000 بسبب فقدان المناطق الريفية سكانها من جهة وشيخوخة السكان من جهة أخرى إضافة إلى هجرة الشباب الريفيين إلى المدن التي توفر لهم فرصا أفضل للعمل والتعليم والتكوين المهني . اطلعت على النتائج الأولية لتعداد السكان ووجدتها مقلقة ومن بينها أن هناك فقط سبعا وسعبين مدينة وبلدة بما فيها القرى من أصل ثلاثة آلاف ومائة وثمانين يزيد عدد سكانها عن خمسة وعشرين ألف نسمة ما يعني أن فقط اثنين فاصلة أربعة بالمائة من المدن والبلدات يزيد عدد سكانها عن خمسة وعشرين ألفا. وفي المقابل هناك ألفان وخمسمائة مدينة وبلدة أي ثمانية وسبعون بالمائة من إجمالي المدن والبلدات والقرى في رومانيا يقل عدد سكانها عن خمسة آلاف نسبة .وفي بعض البلدات والقرى يفوق عدد موظفي البلديات عدد سكانها الناشطين .. صورة تظهر عمق الفجوة بين التركز السكاني العالي في المدن الكبرى كبوخارست وكونتنتزا وتيميشوارا وياشي وكرايفوا وكلوج وبين البلدات والقرى التي تفقد السكان والتي نجد بينها بلدة في محاظفة هوندوارا غربي رومانيا يسكنها ثمانية وثمانون شخصا فقط .”
الصورة لا تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل عشر سنوات بحسب نتائج التعداد السكاني الذي أجري آنذاك وأظهرت وجود مائة وتسع وعشرين قرية خالية من السكان تماما إضافة إلى ألفي قرية أخرى يقل عدد سكانها فيها عن مائة نسمة . ويرجح المختصون أن تكون النتائج النهائية لتعداد عام 2021 دليلا إضافيا على تفاقم هذه الظاهرة. كيف يمكن تحسين جودة الحياة في المدن المكتظة وأيضا في البلدت الصغيرة المهجورة:
“أقرت العام الماضي الاستراتيجية الوطنية للسكن وهذا أمر إيجابي لأنها تحدد أهدافا واضحة من شأنها تسهيل الوصول إلى سكن لائق سواء عبر الشراء أو الاستئجار كما تضع إطار التعاون مع السلطات العامة المحلية . ظاهرة انخفاض عدد السكان تواجهها بلدان أخرى عديدة وفي هذا السياق تهدف الاستراتيجية الوطنية للسكن إلى زيادة عدد المساكن في المدن والمناطق المكتظة أما فيما يتعلق بالمناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة فعلينا إيجاد التوازن بين حجم أعمال الإنشاء وعدد سكانها. فحتى لو زاد عدد العمالة الوادفة في السنوات المقبلة كما هو متوقع فلا اعتقد أن الوافدين سيتجهون إلى المناطق الريفية . خلاصة القول إنه يتعين علينا إدارة الموارد المتوفرة بفعالية .على سبيل المثال بدلا من خمس مدارس في بلدة تعاني من نقص السكان تكفي مدرسة واحدة تشمل أطفال سكانها وأيضا أطفال سكان البلدات الصغيرة المجاورة شريطة أن توفر لهم البلدية وسائل نقل مجانية ..هناك سبل متعددة لتحسين جودة حياة سكان تلك المناطق وتحفيزهم على البقاء فيها .”
في عام 2020 كان خمسة وأربعون بالمائة من الرومانيين يعيشون في مساكن مكتظة وهذه النسبة هي الأعلى بين بلدان لاتحاد الأوروبي. يقول الأستاذ بوغدان سوديتو إن ظاهرة الاكتظاظ السكاني موجودة في جميع المدن كبيرة كانت أو وصغيرة وتظهر جلية في المجمعات والأحياء السكنية التي بنيت في الحقبة الشيوعية وتسكنها أسر متعددة الأجيال :
” الكثير من المتقاعدين أو الموظفين المقبلين على التقاعد لا يزالون يسكنون في المنزل الذي انتقلوا إليه قبل ثلاثين عاما أو اكثر وربوا فيه أطفالهم . لكن الأطفال كبروا وانتقلوا إلى مسكان أخرى فبقي أحد الوالدين وحده في بيت الأسرة .إنها ظاهرة منتشرة في المدن الكبرى يتوجب علينا أن نعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها لأن السكن في بيت كبير لا يعني بالضرورة حياة أفضل لا سيما للمسنين المتقاعدين خاصة وأن تكاليف السكن في بيت كبير قد تفوق إماكناتهم الحقيقية بكثير “.
من المفارقات أن رومانيا هي أيضا الدولة الأوروبية التي يوجد فيما عدد كبير جدا من ملاك المساكن لأن الرومانيون يفضلون الشراء على الاستئجار. يقول الاستاذ بوغدان سوديتو بهذا الصدد :
“أصبحنا ملاك منازل وندفع الثمن باهظا مقابل هذه الصفة . لا شك أن الشعور بالأمان الناجم عن امتلاك منزل خاص شيء إيجابي . ولكن امتلاك منزل خاص يفرض على سكانه بعض القيود خاصة فيما يتعلق بالتنقل. فشراء منزل بقرض عقاري يعني أن صاحبه لن يتمكن من الانتقال إلى بيت آخر تحت أي ذريعة لفترة معينة حتى لو افتقرت تلك المنطقة الكسنية إلى المرافق والخدمات الضرورية بما فيها رياض الأطفال والمدارس والحدائق العامة ونحن نعلم أن القرض العقاري يلزم صاحب المنزل وهو كائن على الأرجح في إحدى المناطق السكنية الجديدة في ضواحي بوخارست أو مدينة أخرى كبيرة – يلزمه على البقاء فيه لفترة معينة ما يصعب عليه إيجاد مشتر لمسكنه والانتقال إلى مسكن آخر في منطقة تتوفر فيها روضة ومدرسة وحديقة عامة وما إلى ذلك. “
الحاجة إلى الأمان التي يوفرها السكن الخاص هي السبب وراء تفضيل الكثير من الرومانيين الشراء على الاستئجار لكن عدد المساكن المتوفرة أقل من أن يغطي الطلب رغم التناقض الواضح بين الحاجة إلى الأمان وحاجة أخرى مهمة هي حرية التنقل.