الاستهلاك الثفافي في رومانيا بعد جائحة كورونا
تظهر دراسة استقصائية فوارق كبيرة بين حجم الفعاليات الفعالية قبل الجائحة مقارنة بما بعدها
Diana Baetelu, 04.12.2023, 15:00
يصادف عام 2023 الذكرى الثامنة عشرة لتأسيس بارومتر الاستهلاك الثقافي في رومانيا وهو دراسة استقصائية يجريها مرة في سنة المعهد الوطني للبحث والتكوين الثقافي وألغيت في فترة جائحة كورونا بسبب إغلاق معظم المؤسسات والمعاهد بما فيها المؤسسات الثقافية ما كان ليجعل نتائج أي دراسة من نوعها غير دقيقة .أحدث دراسة حول الاستهلاك الثقافي تخص عام 2022 وأجريت في العام الجاري لتبرز التأخر في تعويض التراجع المسجل في حضور الفعاليات والأنطشة الثقافية أثناء الجائحة أي ما بين عامي 2020 و2021 . كما تظهر الدراسة فوارق كبيرة بين حجم تلك الفعاليات في عام 2019 قبل الجائحة مقارنة بما بعدها .على سبيل المثال أكبر تراجع للاستهلاك الثقافي العام سجل في حضور العروض المسرحية من تسعة وعشرين بالمائة في 2019 إلى عشرين بالمائة في 2022 وأيضا في مشاهدة الأفلام في دور السينما من خمسة وثلاثين بالمائة عام 2019 إلى ستة وعشرين بالمائة في عام 2022 في حين أن الإقبال على زيارة المتاحف والمعارض بما فيها المعارض الفنية تراجع من ثمانية وثلاثين بالمائة في عام 2019 إلى ثلاثين بالمائة عام 2022. وفي المقابل كانت زيارة المعالم التاريخية أو المواقع الأثرية مرة واحدة في سنة على الأقل النشاط الثقافي الوحيد الذي سجل زيادة للإقبال عليه وبمقادر أربعة عشر بالمائة .. كارمن كرويتورو المديرة العامة في المعهد الوطني للبحث والتكوين الثقافي :
“لاحظنا أن الاتجاهات السابقة فيما يتعلق بالاستهلاك الثقافي لم تتغير فنتائج الدراسة تظهر أن وضع الاستهلاك الثقافي أفضل اليوم مما كان عليه في عام 2021 بل يمكننا القول بأنه في تحسن بيد أننا لم نعد بعد إلى مستوى الاستهلاك الثقافي لعام 2019. ومن الواضح أن الاتجاه إلى الإنترنت في تزايد وكذلك تفضيل الفضاء المنزلي على الأماكن العامة إذ إن الذين تعودوا على استهلاك الثقافة في المنزل لن يتخلوا عن هذه العادة لأنها مريحة للغاية ولا تقتضي الذهاب إلى مكان عام قد يكون بعيدا شيئا ما عن المنزل . ومع ذلك فمن دواعي السرور أن نلاحظ أن الشباب ما بين الثمانة عشرة والخامسة والثلاثين من العمر يخرجون أكثر لحضور الفعاليات الثقافية مقارنة بالفئات العمرية الآخرى لأنهم يحتاجون أيضا إلى التواصل الاجتماعي وهو ما ليس متوفرا في المنزل . جل البيانات المتعلقة بالاستهلاك الثقافي في تراجع كبير للأسف ولكن من دواعي السرور أيضا أن الإقبال على زيارة المواقع التراثية في تنام مما يعني أن التراث يكتسب أهمية ومكانة في قلوب الناس .”
ارتفاع حجم استهلاك المنتجات الثقافية عبر الإنترنت مابين عامي2019 و 2022 لم يقتصر على مشاهدة الأفلام أو الاستماع إلى الموسيقى على منصات البث الرقمية بل شمل أيضا القراءة وشراء الكتب عبر الإنترنت على الرغم من أن إقبال الرومانيين على القراءة منخفض للغاية بصورة عامة . فقد أظهر تقرير صدر عن المعهد الوطني للإحصاء في الخريف الماضي أن أكثر من نصف الرومانيين لم يقرؤوا أي كتاب خلال الاثني عشر شهرا الماضية والسبب هو ضيق الوقت لخمسة وثلاثين بالمائة منهم وقلة الاهتمام بقراءة الكتب لاثنين وثلاثين بالمائة منهم . وقد أكدت نتائج بارومتر الاستهلاك الثقافي هي الأخرى تدني الإقبال على قراءة الكتب المطبوعة بنسبة تسعة بالمائة ببن عامي من 2019 و 2022 في حين زاد استهلاك الكتب والمقالات الرقمية بنسبة أحد عشر بالمائة . كما حددت الدراسة بعض العقبات الاجتماعية والمالية التي تجعل استهلاك الثقافة في الفضاء العام صعبا للغاية أو تحول دونه في يعض الأحيان ومن بينها ضعف أو انعدام البنية التحتية للنقل والطرق العامة. فإذا كان الناس مضطرين للسير على الأقدام أو الوقوف في المواقف لدقائق طويلة بانتظار وسائل النقل العام من أجل الوصول إلى المسرح أو السينما أو محل بيع الكتب فمما لا شك فيه أنهم سيفضلون البقاء في المنزل .
أندا بيكوتس مارينسكو رئيسة قسم الأبحاث في في المعهد الوطني للبحث والتكوين الثقافي تعتقد أنه بالإمكان إزالة تلك العقبات باعتماد سياسات عامة مناسبة : “العقبات الجغرافية تتعلق بضعف البنية التحتية أو انعدامها في مناطق جغرافية معينة ونحن نتحدث هناك ليس عن الفوارق بين الريف والمناطق الحضرية فحسب بل أيضا عن الفوارق بين المدن الكبيرة والمدن الصغيرة والمدن الجامعية والمدن غير جامعية وهي فوارق نقوم بتحليلها في دراساتنا الاستقصائية . كما أن هناك محافظات تفتقر إلى أنواع معينة من البنية التحتية . هذا بالناسبة للعقبات الجغرافية . بطبيعة الحال هناك أيضا عقبات مالية تتمثل في مستويات الدخل المتواضعة التي لا تسمح للفئات الاجتماعية الضعيفة بما فيها أبناء الِأسر محدودة الدخل بشراء الكتب. وأخيرا هناك العقبات التربوية الثقافية التي تعود إلى سنوات الطفولة وتنجم عن عدم تعريض الأطفال للثقافة وهو ما يصعب عليهم لاحقا في حياتهم كبالغين فهم فحوى الرسالة التي ينقلها هذا المنتج الثقافي أو ذاك دون تدخل المؤسسات الثقافية المختصة لمساعدتهم .”
وإذا كانت العلاقة بين مستوى التعليم والاستهلاك الثقافي واضحة منذ فترة طويلة، إلا أن بارومتر الاستهلاك الثقافي لعام 2022 سلط الضوء أيضا على العلاقة بين المشاركة في الأنشطة الثقافية والمشاركة المدنية وفهم الآليات الديمقراطية بحسب كارمن كروتورو: “قيم عالية للاستهلاك الثقافي توحي بأن الناس يميلون أكثر إلى المشاركة في مجتمع حر ويفهمون جيدا حقوقهم واجباتهم تجاه المجتمع . فالانتماء والهوية والتسامح والثقة والاندماج والاهتمامات المدنية والحرية هي المواضيع التي تعلق بها بعض أسئلة الدراسة فكانت الإجابات لافتة للغاية وغير أنها كانت في الغالب متناقضة مع بعضها البهض ومثيرة للقلق. ففيما يتعلق بالثقة على سبيل المثال تبين أن الثقة منخفضة للغاية بالمعلومات المقدمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومع ذلك فإن نسبة الأشخاص الذين يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي أعلى بصورة عامة . الناس لم يعودا يثقون بما يقال في التلفزيون والإذاعة وفي الصحف والمجلات المطبوعة بسبب طريقة معينة للتعامل مع الأخبار. أعود إلى ما قلته سابقا : الثقافة تعني احترام المواطن وحريته وحقوقه الثقافية. أما مدى الثقة ونوع المستقبل الذي نبنيه للمواطنين فهذا يظهر جليا في نائج الدراسة . معطيات الاستهلاك الثقافي ليست سوى نتيجة مباشرة لتجاهل الثقافة طوال الخمسة وعشرين عاما الماضية . وإذا أردنا للأجيال القادمة أن تكون أكثر نشاطا في حقل الثقافة فعلينا أن نبدأ من الآن بالقيام بالخطوات اللازمة .”