وسائل التسيلة والترفيه في مدينة بلويشتي قديما
كانت مدينة بوليشتي الواقعة في جنوب رومانيا مدينة مزدهرة في الفترة ما بين الحربين العالميتين
Diana Baetelu, 05.12.2023, 14:40
كانت مدينة بوليشتي الواقعة في جنوب رومانيا على بعد خمسين كيلمترا شمالا عن العاصمة بوخارست مدينة مزدهرة في الفترة ما بين الحربين العالميتين بفضل موقعها وسط حقول نفطية واسعة أدى استغلالها إلى إنشاء صناعة بيتروكيماوية قوية . لكن مدينة بلويتشي استفادت أيضا من التطور الذي شهدته السياحة في منطقة وادي براهوفا عند سفوح جبال الكاربات على بعد بضع عشرات الكيلومترات عنها .. ومع تطور المدينة ارتفع مستوى الرخاء المادي لسكانها وازداد اهتمامهم بوسائل قضاء أوقات الفراع رغبة منهم في تقليد عادات سكان العاصمة المعروفين بحبهم للتسلية والترفيه وبراعتهم في اختراع أمتع الطرق لقضاء أوقات الفراغ . فلا عجب أن وسائل ترفيه عديدة حظيت بشعبية كبيرة لدى سكان بلويتشي كانت مستعارة من سكان بوخارست أهمها رمبا هو التراشق بالزهور – الك التظاهرة التي كان سكان بوخارست يقيمونها في منطقة الاستجمام الواقعة في القطاع الشمالي للعاصمة . وفي مدينة بلويشتي بدئ بتنظيم مهرجانات التراشق بالزهور قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1916 لكنها توقفت في سنوات الحرب لتعود إلى الواجهة بقوة مجددا بعد عام 1918 ..كانت تظاهرة موسمية وأقيمت بشكل منتظم طوال أشهر الربيع حتى نهاية شهر يونيو حزيران من كل عام ..
المزيد عن مهرجانات التراشق بالزهور وغيرها من وسائل الترفيه في مدينة بوليشتي نجده في كتاب المؤرخ لوتشان فاسيلي بعنوان ” كان يا مكان في بلويشتي : التراشق بالزهور وكرة القدم وملكات الجمال ” . لنستمع إلى مؤلف الكتاب : “مهرجانات التراشق بالزهور تظاهرة استعارها سكان بلويشتي من سكان بوخارست وبدوؤا بتنظيمها قبل نشوب الحرب العالمية الأولى على نطاق أقل سعة مقارنة بمثيلاتها في العاصمة ولكن بنفس الشغف والحيوية .. من جانب آخر كانت إقامة التظاهرة تثير استياء الأقل ثراء من سكان بوليتشي الذين كانوا يشعرون بالعجز عن المشاركة فيها بسبب شح إماكانتهم المادية علما أن التظاهرة كان لها بعد خيري هو أن الأموال التي كان المشاركون ينفقونها على الزهور كانت تستخدم فيما بعد لأغراض خيرية . وسبب استياء آخر هو أن الشارع الرئيسي في منطقة الاستجمام الوحيدة في المدينة كان يغلق أمام المركبات والمشاة أثناء المهرجان . فلم تكن بقليلة المقالات الصحفية التي نشرت آنذاك تنديدا بمهرجانات التراشق بالزهور وإبداء التعاطف مع الفقراء المحرومين من التتزه في منطقة الاستجمام الوحيدة في المدينة أثناء إقامتها . بحلول نهاية الربيع والعام الدراسي في أهم مدرسة ثانوية بالمدينة أواخر شهر يونيو حزيران كان الستار يسدل على مهرجانات التراشق بالزهور . ومع حلول الصيف كانت الفعاليات الترفيهية تتوقف كليا وكانت المدينة تغرق في سبات عميق فيما كان الأثرياء يهربون من الحار الشديد إلى المناطق السياحية المجاورة أو إلى المراكز السياحية المشهورة في أوروبا.”
إذا كان التراشق بالزهور إحدى وسائل التسلية المقتصرة على الأثرياء كانت الأسواق الشعبية في المقابل تسلية في متناول ذوي الحالة المادية المتواضعة أو الضعيفة. وكانت أكبر الأسواق الشعبية تقام في فصل الخريف بعيد انتهاء موسم الحصاد :”بعد ثلاثة أشهر على انتهاء موسم مهرجانات التراشق بالزهور كانت تقام في المدينة أسواق شعبية كبيرة في الهواء الطلق بالتزامن مع بداية السنة الدراسية الجديدة والموسم الاجتماعي الجديد .. الأسواق الشعبية كانت تعتبر وسيلة تسلية متواضعة وكان مرتادوها من سكان الأحياء الشعبية والتجار الجوالين الذين كانوا يعرضون على الزوار وسائل تسلية بسيطة رخيصة الثمن كالرماية بالبندقية وألعاب القوة والعروض البهلوانية بالإضافة إلى أنواع أخرى من الألعاب والملاهي للكبار . نخبة المدينة لم تكن تشاهد في الأسواق الشعبية تلك لا حتى بعد عودتها من رحلاتها الصيفية .. الحقيقة أن الأسواق الشعبية الخريفية في الهواء الطلق كانت مبثابة مدينة ملاه للفقراء ظلت مفتوحة أمام الزوار لأكثر من ستة أسابيع وكانت لتستغرق أكثر لولا البرد الشديد الذي كان يجبر سكان الأحياء الشعبية على قضاء أوقات الفراغ في الداخل وخاصة في الحانات والمطاعم المتواضعة”.
كانت كرة القدم الرياضة المفضلة لدى سكان مدينة بلويشتي بحسب المؤرخ لوتشان فاسيلي:”ازدادت شعبية كرة القدم بشكل غير مسبوق في عشرينيات القرن الماضي وازداد عدد المشجعين بعد أن كانت كرة القدم تعتبر لفترة طويلة مضيعة للوقت وكان عدد المشجعين يحصى على أصابع اليد الواحدة .ولكن الأمور تغيرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حيث تأسس في المدينة ناديان لكرة القدم كان أحدهما مملوكا للصناعي الهولندي ياكوب كوبيس والثاني لمؤسسة السكك الحديدية بالمدينة التي استثمرت مبالغ طائلة في كرة القدم ودفعت للاعبي الفريق رواتب ومعاشات كبيرة رغم نتائجه الرديئة وهبوطه إلى درجة أدنى. ولم تخل مباريات كرة القدم من مشاهد التشابك بالأيدي والعراك بين المشجعين.. ففي إحدى المباريات دخل محافط المدينة إلى الملعب ليوزع اللكمات والركلات يمينا ويسارا تنفيسا عن عضبه الشديد من هزيمة النادي المحلي أمام الفريق الضيف.”
عاشت في بوليشتي أقليات عرقية متعددة واستعار سكان المدينة بعض العادات المنتشرة بين أبناء تلك الأقليات :”قام أبناء الأقلية الألمانية ببناء قاعة كبيرة للفعاليات الثقافية والترفيهية .وكانت القاعة تستضيف حفلات موسيقية ومسابقات البلياردو والبولينغ بمشاركة الرجال والنساء معا .. كان أمرا غريبا على سكان بوليتشي أن يشاهدوا النساء يمارسن الرياضة جنبا إلى الجنب مع الرجال بدون تمييز.”