منضد حروف الطباعة “باربو بوخارست”
في القرن الثامن عشر، عندما كانت إمارات البلاد الرومانية والمولدوفية تحت السيطرة العثمانية، بدأت بوخارست بالتطور والتوسع. وقد تطورت العديد من الحرف القديمة خلال هذه الفترة، كما ظهرت أخرى جديدة، مثل طباعة الكتب
Christine Leșcu, 23.12.2018, 12:41
في القرن الثامن عشر، عندما كانت إمارات البلاد الرومانية والمولدوفية تحت السيطرة العثمانية، التي يقودها ما يسمى بأمراء الفاناريوت Phanariot، بدأت بوخارست بالتطور والتوسع. واصل المعرض التجاري الصغير منذ بداياته تطوره التجاري، وأصبح مركزاً حرفياً، وتعليمياً، وكذلك مكاناً لتجمع اجتماعي متنوع من الناحية العرقية والثقافية.
وقد تطورت العديد من الحرف القديمة خلال هذه الفترة، كما ظهرت أخرى جديدة، مثل طباعة الكتب. وعلى ما يبدو فإن نشر الكتب قد ازدهر في القرن الثامن عشر. وهذا يشير إلى حقيقة وجود عدد متزايد من منضدي حروف الطباعة وأن مهنتهم نالت تشجيعاً على زيادة إنتاج الكتب، وبدعم خاص من الكنيسة.
تُظهر وثائق تلك الفترة دليلاً على انخراط المتروبوليتان والأساقفة في هذه المهنة الدقيقة، مع منضدي حروف الطباعة في القرن الثامن عشر. تم الاحتفاظ بأسماء بعض منهم حتى اليوم. وإعادة بناء سيرتهم الذاتية، تعني إعادة بناء جزء مهم من حياة مجتمع مدينة بوخارست في ذلك الوقت. من بين أكثر منضدي حروف الطباعة شهرة، ستويكا ياكوفيتش وأولاده، وكذلك باربو بوخارست، وجميع معاصريه المتميزين، كما تخبرنا دانييلا لوبو Daniela Lupu ، المؤرخة في متحف مدينة بوخارست.
إذا كانت شخصية ستويكا متطلعة، فإن رجلاً متحمّساً ونشيطاً، مع عائلة كبيرة – ثلاثة أبناء ولا أحد يعرف بالضبط عدد البنات– ، فإن باربو بخارست الخجول، والمتقاعد بدون ثروة كبيرة، والذي تم إجباره على مغادرة بوخارست، حيث وُلد على الأغلب، ليبحث عن عمل في مولدوفا، لأن عائلة ستويكا ياكوفيتش كانت تهيمن على مهنة الطباعة في مدينة بخارست في منتصف القرن الثامن عشر. والذي كان يملك فريق عمل كبيراً وعلاقات مميزة مع حاكم المدينة والمتروبوليتان، حاصلاً على طلبات عمل هائلة.
من أجل أن يتخلص من احتكارعائلة ستويكا ياكوفيتش في بوخارست، عمل باربو بوخارست أيضاً خارج مدينته الأم.. .. دانييلا لوبو Daniela Lupu .
بعد الانتهاء من تدريبه المهني في إحدى دور النشر في بوخارست – كما نعتقد – بحث باربو عن عمل خارج بوخارست، حيث ذهب إلى مولدوفا في أبرشية راداوتس Rădăuţi . في عام ألف وسبعمئة وأربعة وأربعين، ظهر لأول مرة كمنضد حروف طباعة في أبرشية راداوتس ، ثم عاد إلى بوخارست في عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، حيث كان يعمل في مطبعة متروبوليتان أونغرو-فلاهيه Ungro-Vlahiei، حيث قاد ورشة العمل وتدريب المهنيين حتى عام ألف وسبعمئة وثمانية وخمسين، عندما مات كاحتمال كبير جداً بسبب الطاعون. خلال السنوات الاثني عشر من عمله، طبع باربو ثمانية كتب كنسية إضافة إلى كتب الصلاة، حيث طبع واحداً منها بأحرف صغيرة جداً، مخصصة لتأدية الصلاة اليومية، وليس لاستخدامها في الكنيسة.
منذ عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، عاد باربو بوخارست إلى مسقط رأسه، مستمراً في نشر أعمال دينية باللغة الرومانية بالأحرف الكيريلية والسلافية، لغة العبادة في عصره. لم يكن من غير المألوف أن يسافر حِرَفي في ذلك الوقت بحثاً عن عمل، كما تخبرنا دانييلا لوبو.
من الواضح أنه، كما هو الحال في بداية الطباعة، بقي مصير منضدي حروف الطباعة محكوماً بالتنقل من مكان إلى آخر، حيث كان عليه البحث عن الطلبات وأسواق العمل، في حال لم يكن راغباً في العمل مع المتروبوليتان. حتى أن باربو، وبعد وقت قصير من الضيق، أتيحت له الفرصة ليصبح منضد حروف في المتروبوليتان، لأنه أثبت حرفيته. وفي النهاية، وجد الاستقرار في مسقط رأسه، بعد العديد من رحلات البحث عن عمل.
في عام ألف وسبعمئة وسبعة وأربعين، ظهر أول كتاب طبعه باربو بوخارست في دار الطباعة في كنيسة في مطبعة متروبوليتان أونغرو فلاهيه Ungro-Vlahiei في بوخارست. كان لديه نموذج صغير وكان يسمى صلوات كل أيام الأسبوع. لا يظهر اسمه على صفحة العنوان، لكنه يوقع على مقدمة هذا المجلد، لذلك يمكننا أن نرى أنه اعتنى بهذا الكتاب. لم يعمل بمفرده ، لكنه تعاون مع حرفيين آخرين ، بما في ذلك غريغوري ستان براشوفيان…دانييلا لوبو.
الشيء المثير للاهتمام هو أن غريغوري و باربو يوقعان عقداً للعمل – من أجل استخدام المصطلحات الحديثة – مع متروبوليتان نيوفيت كريتان في بوخارست. ربما تم الحفاظ على مثل هذه الرغبات في أزمنة أخرى، ولكن للأسف، لم يتم الحفاظ على تلك الوثائق. ولذلك، فإن هذه الوثيقة ذات قيمة كبيرة، لأنها تزودنا بمعلومات عن مداخيل منضدي حروف الطباعة، التزاماتهم وحقوقهم. إنه ليس مكتوباً تماماً، لكنه هام بالنسبة للقرن الثامن عشر، حيث تم الحفاظ على عقدين فقط من هذا النوع منذ ذلك الحين. نكتشف من العقد أن التعاقد أو الاتفاق يتم تحت عنوان واحد. وبالتالي، ينص على أن المتعاقدين يحصلون على حصة يومية من طعام يتكون من الخبز والنبيذ. كما يحصلون على الملح والصابون وكذلك الشموع لإضاءة ورشة العمل، لأنهم كانوا يعملون أيضًا في الليل عندما يكون هناك ضغط عمل. كما كانوا يحصلون على الحطب من أجل التدفئة.
في ظل عدم توفر بيانات ووثائق واضحة، من المفترض أن باربو بوخارست بقي وعمل في بوخارست حتى نهاية حياته، على ما يبدو في عام ألف وسبعمئة وثمانية وخمسين. وربما كان واحداً من ضحايا وباء الطاعون في سنوات ألف وسبعمئة وستة وخمسين…ألف وسبعمئة وتسعة وخمسين.