قوانين الطب العقلي في الإمارتين الرومانيتين
في إمارتي فالاهيا ومولدوفا الرومانيتين كانت الأمراض النفسية والعقلية غالبا تعرف بجنون وعوقب مرتكبو الجرائم من المصابين بأمراض عقلية أو نفسية بقتضى أوامر صادرة عن الأمير
Diana Baetelu, 26.02.2023, 10:00
الأمراض النفسية والعقلية عبء ثقيل على المصابين بما وعلى المجتمع من حولهم على حد سواء وفي أحيان كثيرة ترتبط الأمراض العقلية بحوادث مؤلمة كالاعتداءات وجرائم القتل التي حاولت المجتمعات على مر العصور الحيلولة دون وقوع فضلا عن معقابة مرتكبيها عبر إجراءات وإرشادات تناسبت مع مدى تطور المجال التشريعي القانوني في هذه الحقبة التاريخية أو تلك. أما في إمارتي فالاهيا ومولدوفا الرومانيتين فكانت الأمراض النفسية والعقلية غالبا تعرف بجنون وعوقب مرتكبوها من المصابين بأمراض عقلية أو نفسية بقتضى أوامر صادرة عن الأمير نفسه كانت بمثابة قوانين وتضمنت أيضا الإجراءات التي كان يتعين على السلطات اتخاذها لمنع المصابين بأمراض عقلية من ارتكاب جرائم واحتواء تداعياتها إن وقعت . لكن ما يجدر ذكره أن الأموار الصادرة عن الأمراء بهذا الصدد ومن بينها ما صدر عن الأمير فاسيلي لوبو حاكم إمارة مولدوفا في القرن السابع عشر والأمير ماتي باساراب حاكم إمارة فلاهيا في نفس القرن قضت بنزع الصفة الجنائية عن الجرائم إذا كان مرتكبوها من المصابين بأمراض عقلية .
الطبيب أوكتافيان بودا أستاذ تاريخ الطب في جامعة الطب والصيدلة في بوخارست لخص محتوى تلك الأموار :
“لا يمكنني القول بأن الأوامر الصادرة عن حكام الإمارتين في القرون الوسطى هي قوانين دستورية أو جانئية بالمعنى الشائع للكلمة . إنها في الواقع أشبه بإرشادات كان يتعين أخذها بعين الاعتبار في ممارسة مختلف المهن والأنشطة .. لكن ما لفت انتباهي أن تلك الأوامر تؤكد بما لا يترك مجالا للشك أن الاشتباه بمعاناة المجرم من مرض عقلي يؤدي تلقائيا إلى تأجيل إصدار الحكم بحقه ومعاقبته إلى حين إخاضعه لفحص طبي وتقييم حالته الصحية.. على سبيل المثال نقرأ في أحد الأموار الأميرية ما يلي : “إذا كان المجرم مجنونا أوفاقدا للعقل وقتل والده أو نجله فلا تعاقبوه لأن في جنونه من العقوبة ما يكفيه ” ..بعبارة أخرى فإن الأمير بقوله هذا كان يعتبر المرض النفسي أو العقلي شأنا طبيا وأضفى عليه صفة المفهوم النظري ..”
القرن التاسع عشر كان قرن الإصلاحات في غرب أوروبا .. وأما في الإمارتين الرومانيتين فتزامن مع حقبة الأمراء اليونانيين وهم من الموظفين الكبار لدى الباب العالي الذين كان السلطان يختار من من بينهم حكام الإمارتين …مع بداية قرن جديد أخذت رياح الإصلاحات تهب على الإمارتين بحسب الأستاذ أوكتافيان بودا:
“بين الأمراء اليونايين من أصدروا قوانين لتنظيم قطاع الطب .فالأمير إلكساندرو إبسيلانتي أصدر قانونا من هذا النوع في عام 1780 وفي مطلع القرن التاسع عشر أصدر قوانين مماثلة الأميران كالماكي وكراجا ..كما اعتاد الأمراء اليونانيون على إحضار أطباء من الخارج ليسهموا بخبرتهم ومعرفتهم في تطوير الطب والرعاية الطبية في الإمارتين “.
أما القرن التاسع عشر والذي تزامن مع عصر الحداثة في الإمارتين فقد شهد مواصلة الإصلاحات في شتى المجالات . وقد لعبت القوانين التي تم إقرارها في عام 1830 تحت اسم القوانين الأساسية دورا كبيرا بهذا الصدد :
“القوانين الأساسية نظمت مجال الطب من ناحيتين على الأقل . أولا قضت بتأسيس مجلس الأطباء وتنظيم قطاع الرعاية الصحية على أساس معايير دقيقة كانت مراعاتها لزاما على الأطباء .. ثانيا قضت القوانين الأساسية بضرورة حصول الأطباء على رخصة رسمية من قبل السلطات لممارسة ..حقبة الأمراء اليونانيين شهدت أيضا قدوم أطباء من إيطاليا واليونان إلى الإمارتين الرومانيتين .. “
مع نهاية حقبة الأمراء اليونانيين في العقد الثاني من القرن التاسع عشر شهد الطب تحولا مؤسسيا في غاية الأهمية إثر دخول القوانين الأساسية حيز التنفيذ حيث تأسس أول مستشفى للأمراض النفسية و العقلية :
“تأسس المستشفى في عام 1838 في عهد الأمير ألكساندرو غيمكا وسرعان ما أخذ يستقبل المصابين بأمراض مصنفة كأمراض عقلية وفق معايير الطب الحديث .. وانضم إلى فريقه ا أخصائيون من خريجي جامعات طب أجنبية ومن بينهم الطبيب مينيش الذي درس في مدينة لايبسيغ و الطبيب نيكولاي غانيسكو الذي درس في مدينة خاركوف والذي يعود إليه الفضل في تنظيم عمل أطباء الأمراض النفسية والعقلية وفق المعايير الحديثة اعتبارا من عام 1850 . كما يعود للطبيب غانيسكو الفضل في تطوير أساليب علاج الأمراض العقلية وجعلها أكثر إنسانية في وقت كانت فيه أساليب العلاج الأمراض العقلية أشبه بأساليب الاعتقال وكان العديد من المرضى مكبلين بسلاسل معدنية . فقام الطبيب غانيسكو باستبدالها بحبال من القماش .. خلف الطبيب غانيسكو في قيادة المستشفى هو الطبيب ألكسادرو شوتسو الذي درس الطب في اليونان وفي فرنسا .. وفي عام 1877 نشر شوتشو كتابا بعنوان ” المريض العقلي في الطب والمجتمع ” هو في الواقع أول كتاب في علم النفس الاجتماعي والقضائي في رومانيا .. “