وضع العمال في الفترة مابين الحربين العالميتين
المتابع لتاريخ العمال الرومانيين يكشف أن الطبقة العمالية عانت على مر العصور جراء الاضطهاد والفقر
Diana Baetelu, 05.02.2024, 15:04
المتابع لتاريخ العمال الرومانيين يكشف أن الطبقة العمالية عانت على مر العصور جراء الاضطهاد والفقر .. فالمقالات الصحفية وخطابات الساسة فضلا عن الوثائق الرسمية أفردت حيزا واسعا للأوضاعهم المعيشية المزرية لكثير من العمال وأفراد أسرهم . لذا فقد يميل المراقب وهو يقيم أوضاع العمال في الفتلة ما بيين الحربين العالمتين إلى التعميم متغاضيا عن التفاصيل التي تصنع الفارق لكن التاريخ الشفهي قادر استنادا على تمكيل الصورة بالتفاصيل الناقصة وضحد التعميمات التي لجأ إليها البعض وخاصة الدعاية الشيوعية بين عامي 1945 و1989 .
وقد أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلات مع أشخاص كانوا في عنفوان شبابهم في الفترة ما بين الحربين العالميتين التي شهدت فيها رومانيا ازدهارا غير مسبوق في تاريخها . فكان من بين من تحدثوا عن الأوضاع المعيشية للعمال في عشرينينات وثلاثينيات القرن الماضي مانولي فيليتي الذي كان قبل تولي الشيوعيين السلطة عام 1945 مديرا لمصنع زيوت . وفي عام 1996 وصف ظروف العمل في المصنع موضحا أن الإدارة كانت تهتم بتوفير غرف لتغيير الملابس وحمامات وأزياء حماية ومطاعم داخلية للعمال. كما اهتم هو شخصيا بالأوضاع المعيشية لعمال المنصع : “في صباح كل يوم أحد كنت أزور بعضا من زملائي في المصنع في بيوتهم . لكن قبل ذلك كنت أطالب قسم الموارد البشرية بإعداد قوائم بأسماء العمال الأكثر فقرا أو أولائك الذين كان لديهم أطفال كثيرو . وفي كل مرة كنت أملأ سيارتي بالمواد الغذائية ومواد التنظيف وما إلى ذلك وكنت أذهب إلى بيوتهم لأقدم لهم تلك الأغراض .. كنا نتجاذب أطراف الحديث لبعض الوقت حيث كنت استفسر عن احتياجاتهم وأطفالهم من الطعام واللباس لكي نساعهم بالمال اللازم لشرائها “.
المحامي إيونيل موتشورنيتسا كان نجل الصناعي الكبير دوميترو موتشورنيتسا – أحد مؤسسي صناعة الجلود والأحذية في رومانيا . وفي عام 1997 تحدث عن الاهتمام الذي أولاه والده للأوضاع المعيشية للعاملين في مصانعه : “كان وجود النقابات شكليا فقط ولم تكن لعملها نتائج تذكر ولم يكن وجود النقابات يثني والدي عن بذل المزيد من الجهود من أجل ضمان الرعاية الاجتماعية والطبية للعاملين في المصانع سواء أثناء دوام العمل أو خارجه .وهنا أتحدث عن والدي فقط لأنني لا أعرف كيف كانت الأمور تسير في مصانع غيره من أصحاب العمل . لكني أود أن أذكر بأن والدي مام قام ببناء دار للتأمينات الاجتماعية بأمواله الخاصة بالإضافة إلى مدرسة ” الملكة ماريا “الثانوية ومستشفى “بوكور” كما نظم معسكرات صيفية لطلاب العديد من المدارس الثانوية . لم يكن هناك في ذلك الوقت عقد عمل جماعي ولكن كان هناك في المقابل عقد بين العامل وصحاب العمل كان يسمح للعامل بترك العمل متى ما يشأ . بشكل عام كانت نصوص عقد العمل تصب في مصلحة العامل بحيث كان من الصعب جدا على صاحب العمل أن يكسب قضية في المحكمة أمام مام أ العامل”
الاهتمام بأوضاع العمال كان منصوصا عليه في القانون ولكن الدوافع الإنسانية تغلبت على الالتزامات القانونية في أحيان كثيرة . وقد تذكر المحامي يونيل موتشورنيتسا نمط حياة والده : “كان والدي يؤمن بضرورة استثمار الموارد الفائضة لتطوير المصانع والأعمال الخيرية . لقد عاش حياة بسيطة وامتنع عن الإسراف والتبذير وتوخى الاعتدال في كل شيء .. ولم يكن يدخن أو يشرب ولم يلمس أوراق اللعب يوما ولم يكن يحضر الحفلات الراقصة . كان رجلا جادا ومبدعا وأنا مقتنع بأن رومانيا كانت لتصبح بلدا صناعيا كبيرا عل غرار البلدان الصناعية المتقدمة لو لم يتول الشيوعيون السلطة بعد الحرب العالمية الثانية .”
صانع أحذية تيوفيل توتيزان روى لمحرري الإذاعة في عام 2000 كيف تدرب على صنع الأخذية على يد أحد الحرفيين في منزل الأخير . كان التحق بمدرسة مهنية وفي عام 1929 حصل على وظيفة في مصنع “درماتا” بمدينة كلوج لكنه تعلم أسرار الحرفة من ذلك الحرفي : ” كنت أقوم بكل أنواع الأعمال المنزلية حيث كنت أطعم الحيوانات وأزيل الأعشاب الضارة من حديقته . كان سيدي رجلا وسيما تزوج من ابنة صانع أحذية ثري. وكانت لوالد زوجته ثلاث بنات وأعطى كلا منهن بيتا عند زواجها ولكن بعيدا عن هذا وذاك كان رجلا طيبا . كان يقول لي : الأجدى لك أن تسبني الآن وليس بعد ما تكبر”! كنت أدعو ربنا أن يخلصني منه لكني أدركت فيما بعد أنه جعل مني رجلا جادا . أتذكر أنه قال لي ذات يوم أنه سيجبرني على ابتلاع السيجارة في إذا ما رآني أدخن . خلاصة القول أنني لم أدخن سيجارة واحدة في حياتي. ثم عندما بدأت أعمل في المصنع لاحظت أن ظروف العمل كانت جيدة وعلمت أن العامل المبتدئ كان يتقاضى ستمائة لي في الأسبوع. لكن بعد فترة وصل راتبي إلى ألف وخمسمائة لي في الأسبوع .على سبيل المقارنة كان صديقي المدرس يتقاضي ألفا وثمانمائة لي في الأسبوع .”