صحيفة “الشرارة”
كانت الصحافة سلاحا قويا في أيدي الأنظمة الاستبدابية الشيوعية والفاشية . وقد قامت الأنظمة الشمولية بتشويه حق وسائل الإعلام في التعبير عن آرائها بحرية
Diana Baetelu, 21.12.2024, 15:29
كانت الصحافة سلاحا قويا في أيدي الأنظمة الاستبدابية الشيوعية والفاشية . وقد قامت الأنظمة الشمولية بتشويه حق وسائل الإعلام في التعبير عن آرائها بحرية وهو الحق الذي اكتسبته الشعوب في القرن التاسع عشر وكرسته كحق عالمي للمرة الأولى بيان حقوق الإنسان والمواطنين الذي اعتمد في عام 1879. وقد ألغت الأنظمة الشمولية الشيوعية والفاشية الحق واستبدلت حرية التعبير بحرية تكتيم الأفواه .
وقد جعلت الأنظمة الشيوعية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية من الصحافة آدة أيديولوجية. ولم تكتف الأحزاب الشيوعي بذلك بل قامت بتأسيس صحف خاصة بها لتكون لسان حالها وصوتها الرسمي . ففي الاتحاد السوفييتي كانت هناك صحيفة “برافدا” أي “الحقيقة” التي تأسست في عام 1912 والتي لا تزال تصدر في روسيا . وفي بلغاريا الشيوعية ظهرت “رابوتنيتشيسكو ديلو” أو “أعمال العمال” التي صدرت حتى عام 1990. في تشيكوسلوفاكيا السابقة كانت صحيفة “رودي برافو ” أو “العدالة الحمراء” التي صدرت حتى عام 1995 الصحيفة الرئيسة للحزب الشيوعي الحاكم .
في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة صدرت صحيفة “نويس دويتشلاند” أي “ألمانيا الجديدة” في عام 1946 وهي لا تزال تصدر. وفي يوغوسلافيا السابقة كانت صحيفة “بوربا” أي “النضال” لسان حال الحزب الشيوعي وصدرت حتى عام 2009 ثم عادت إلى الصدور بشكل غير منتظم. وفي بولندا صدرت بين عامي 1948 و1990 صحيفة “تريبونا لودو” أي “منصة الشعب”. وفي المجر هيمنت صحيفة ” نيب سوبود” أو “الشعب الحر” على سوق الصاحفة المكتوبة بين عامي 1945 و1956 أعقبتها صحيفة “نيبسوبودشاغ” أو “حرية الشعب” بين عامي 1956 و2016. في رومانيا كانت صحيفة “سكانتيا” أي “الشرارة” لسان حال الحزب الشيوعي الروماني .
تأسست صحيفة “سكانتيا” في عام 1931 بعد حوالي عشر سنوات من إعلان الحزب الشيوعي حزبا خارجا عن القانون بسبب مساعيه الرامية إلى تفكيك رومانيا واستمرت في الصدور بشكل غير منتظم حتى عام 1940. وأخذت صحيفة الحزب الشيوعي الروماني اسمها من صحيفة “إيسكرا” أي “الشرارة ” التي صدرت بين عامي 1900 و1905 تحت إشراف الزعيم البلشيفي لينين . وصدرت صحيفة “سكانتيا” الرومانية بشكل قانوني للمرة الأولى في الحادي والعشرين من سبتمبر أيلول عام 1944 بعد احتلال الجيش الأحمر بوخارست في شهر آب أغسطس من نفس العام وعلى خلفية تحركات السوفييت الرامية إلى فرض النظام الشيوعي على رومانيا .
أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلة مع الناقد رادو بوغدان في عام 1995. ولد بوغدان في عام 1920 وكان مناصرا للشيوعية وأقام علاقات مع أعضاء في الحزب الشيوعي الروماني خلال سنوات الحرب العالمية الثانية .
أصبح بوغدان ناشطا شيوعيا بعيد دخول السوفييت إلى رومانيا . وتذكر كيف شارك في إعادة تأسيس صحيفة “سكانتيا ” الشيوعية : “لقد تم تكليف خمسة أشخاص باتخاذ خطوات عملية من أجل إصدار الصحيفة من جديد وكلف ماتي سوكور برئاسة هيئة التحرير . فقد عادت الصحيفة إلى الصدور مجددا بفضل جهود أولئك الأشخاص .
في ذلك الوقت كنت راغبا في ممارسة مهنة الصحافة ولم أكن أعرف من أين أبدأ وكيف فاتصلت بأحد أعضاء الفريق وقدمت نفسي وسألته عما إذا كان بإلإمكان أن أنضم إليهم فعرض علي العمل مع الفريق ولكن كعامل تطوعي فقط . كانت فترة رومانسية كنا نسنهدي فيها بالمثل العليا . فكلفوني بتصحيح النصوص وكان زميلي مخرج يدعى ميريل إليشيو. خلاصة القول أنني ساهمت في إصدار العدد الأول من الصحيفة.”
عبر المثقفون الشيوعيون المثاليون القدامى منهم والانتهازيون الجدد على صحفات “سكانتيا” عن آرائهم المناهضة للديمقراطية بشكل عدواني للغاية . وكان من بينهم الصحفي سيلفيو بروكان الذي بقي في المشهد السياسي بعد الإطاحة بالنظام الشيوعي في عام 1989 وكان أحد أنشط أعضاء الحزب الشيوعي منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
تذكر رادو بوغدان بدايات صحيفة “سكانتيا” بقيادة عالم الاجتماع ميرون كونستانتينسكو:”عين رئيس هيئة تحرير الصحيفة ماتي سوكور مديرا عاما للإذاعة بعد يوم واحد من صدور العدد الأول وحل محله ميرون كونستانتينسكو الذي كان قد خرج من السجن للتو. كنا نعمل في الليل مرارا وكنا ننام على الأرض لأنه ولم تكن في المكتب أسرة. في البداية اتخذت الصحيفة من مبنى صحيفة “كورنتول ” مقرا لها بعد إغلاقها وكنت أرافق ميرون كونستانتينيسكو في زياراته اليومية إلى الاتحاد العام للعمال لأنه لم يكن يريد أن يمشي في الشارع بمفرده ولذلك كان يأخذني معه دائما “.
على مدى السنوات الأربعين التالية كانت “سكانتيا” مكتبا للدعاية الشيوعية وعملت على إخفاء الصعوبات المادية والانتهاكات الوحشية للحقوق التي عانى منها الرومانيون. وعلى مر السنين طالت قائمة المتعاونين معها من المثقفين البارزين الذين نشروا مقالات على صفحاتها .