سياسة الإصلاح الزراعي للحزب الشيوعي الروماني
كانت الملكية الجماعية إحدى ركائز العقيدة الاقتصادية الشيوعية . فقد عمل النظام الشيوعي على إلغاء الملكية الخاصة واستبدالها بالملكية الجماعية للثروة الطنية بكافة مكوناتها
Diana Baetelu, 26.10.2024, 14:32
كانت الملكية الجماعية إحدى ركائز العقيدة الاقتصادية الشيوعية . فقد عمل النظام الشيوعي على إلغاء الملكية الخاصة واستبدالها بالملكية الجماعية للثروة الطنية بكافة مكوناتها بما فيه وسائل الإنتاج . ولم تدخر الدعاية الشيوعية جهدا لشيطنة الملكية الخاصة بذريعة أنها السبب الرئيس للظلم وعدم المساواة واستغلال الانسان من قبل الانسان . ومن أجل تطبيق العقيدة الاقتصادية الشيوعية في الزراعة كان لا بد من إلغاء الملكية الخاصة للأرض وسائر وسائل الإنتاج وهو ما حصل فعلا في الاتحاد السوفييتي بعد الثورة البلشفية عام 1017 وثم في جميع البلدان التي قام الجيش السوفييتي باحتلاها بعد عام 1945 على الرغم من أن السياسة الاقتصادية الجديدة التي كان لينين قد أطلقها في عام 1921 كانت تجيز بعضا من أشكال الملكية الخاصة في الزراعة.
ولكن بعد وفاة لينين في عام 1924 أقدمت السلطات السوفيتية على إلغاء الملكية الخاصة في الزراعة عبر مصادرة الأراضي من ملاكها ومعظمهم من أصحاب الأراضي متوطسة الحجم الذين سرعان ما صنفوا كأعداء لطبقتي العمال والفلاحين الكادحين وثم ورحلوا إلى معسكرات غولاغ سيئة الصيت .
عملية إلغاء الملكية الخاصة في الزراعة انطلقت في رومانيا في السادس من مارس آذار عام 1945 بعيد تنصيب الحكومة الموالية لموسكو برئاسة بيترو غروزا وسوقتها الدعاية الرسمية على أنها الإصلاح الزراعي المنشود . لكن قبل إطلاق الإصلاح الزراعي رسميا كانت الجبهة الوطنية الديمقراطية وهي مجموعة من الأحزاب السياسية الخاضعة لسيطرة الحزب الشيوعي قد أطلقت حملة دعائية في المناطق الريفية بهدف تحريض الفلاحين على احتلال الأراضي الزراعية التي زادت مساحتها عن خمسين هكتارا بالقوة .وفي الثالث والعشرين من مارس آذار عام 1945 أقرت حكومة بيترو غروزا قانون الإصلاح الزراعي الذي قضى بنزع حق الملكية عن أصحاب الأرضي الزراعية التي زادت مساحتها عن خمسين هكتارا وتسليم تلك الأراضي للفلاحين الفقراء .
ومع مصادرة الأراضي تمت أيضا مصادرة كافة وسائل الإنتاج . ويقول المؤرخون أن النظام الشيوعي استخدم قانون الإصلاح الزراعي كأداة دعائية للإعلان عن نجاحه في القضاء على استغلال الفلاحين وذلك قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية التي كانت مزمعة في التاسع من نوفمبر تشرين الثاني من نفس العام .
ميدانيا جاء تطبيق قانون الإصلاح الزراعي مصحوبا بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة وأعمال العنف . كما أدى تطبيق القانون إلى تصعيد التجاذبات بين مختلف الفئات من الفلاحين وأطلق العنان للعصابات المسلحة التابعة للحزب الشيوعي لممارسة الإرهاب ضد الفلاحين الذين رفضوا تسليم أراضيهم وممتلكاتهم . وقد سادت أجواء العنف وعدم الاستقرار المناطق الريفية التي تم فيها تطبيق قانون الإصلاح الزراعي وهو ما اعترف به نشطاء حزبيون شيوعيين في وقت لاحق .
وكان من بينهم إيون بايكو الذي تطرق في حديث أدلى به لمركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية في عام 1971 إلى الحوادث التي وقعت أثناء تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في محافظة ميهدينتسي جنوب غربي رومانيا : ” كان علينا – نحن نشطاء الحزب أن نبذل قدرا كبيرا من الجهد لإقناع ملاك الأراضي بتسليمها وسائر الممتلكات وكانوا في بعض الأحيان يهددون بإطلاق النار علينا . وأتذكر ان واحدا منهم واسمه إيون إيونيسكو أطلق النار على جندي سوفييتي فور وصول الجيش الأحمر إلى المنطقة لكنه لم يبق بدون عقاب . بعد ذلك أرسل الحزب مجموعات من الرفاق والعمال إلى المنطقة لمواجهة ملاك الأراضي وتحريض الناس على الانضمام إلى صفوفهم لمواجهة المعارضين .”
“ما أريد التأكيد عليه هو أننا لم نكن لنهزم ملاك الأراضي ومعارضتهم للإصلاح الزراعي لولا دعم الطبقة العمالية بقيادة الحزب الشيوعي الروماني. كما أريد أن أؤكد أن الطبقة العمالية بقيادة الحزب الشيوعي الروماني وبمساعدة الفلاحين الفقراء نجحت في هزيمة ملاك الأراضي والبرجوازية الريفية “.
كان قانون الإصلاح الزراعي الصادر عام شعبويا بكل المقاييس لأن الحزب الشيوعي كان يسعى في ذلك الوقت إلى استمالة الفقراء من العمال والفلاحين . والحقيقة أنه لم يكن في نية الشيوعيين لخطة استبدال الملكية الخاصة القديمة بأخرى جديدة .
تودور كونستانتين كان ناشطا في الحركة النقابية منذ عام 1947 وفي مقابلة مع مركز التاريخ المروي أجريت معه في عام 2003 روى كيف أصبح مالكا للأرض في قرية صغيرة تبعد ستين كيلومترا جنوبا عن العاصمة بوخارست :” في عام 1945 أعطوني قطعة أرض مكافآة لمشاركتي في الحرب . وبعد ذلك عندما بدأوا بمصادرة الأراضي الزراعية صادروا أيضا قطعة الأرض تلك مني بحجة أني لست من السكان الأصليين للقرية .خلاصة القول أنهم صادروا أراضي الإقطاعيين وقسموها ووزعوها على الفلاحين الفقراء عشوائيا .”
“لقد شارك في تلك العملية ممثلون عن جبهة الحارثين وكان معهم ممثلون عن الحزب الشيوعي . كانوا يرسمون حدود قطع الأرض ثم يقولون للفلاحين : “هذه أرضك وهذه أرض فلان” . وقد بقيت تلك الأراضي في حيازة الفلاحين لمدة أربع سنوات فقط أي إلى حين إطلاق حملة تأسيس التعاونيات الزراعية .”
استمرت السلطات في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي الصادر عام 1945 حتى عام 1949 فقط ما يدل على أن الهدف الحقيقي وراء إقراره لم يكن لحظة إجراء إصلاح حقيقي . فبعد تنازل الملك ميهاي الأول عن العرش تحت ضغط الشيوعيين في الثلاثين من ديسمبر كانون الأول عام 1947 وطرده أصبح الحزب الشيوعي حاكما مطلقا لرومانيا وانتقل إلى تحقيق الإصلاح الزراعي الذي كان يتطلع إليه منذ اللحظة الأولى وهو أن يفرض على جميع ملاك الأراضي الزراعة بصرف النظر عن مساحة مزارعهم التنازل عنها من أجل تكوين التعاونيات الزراعية تطبيقا لنظرية “التحول الاشتراكي للزراعة”.