زيارة ريتشارد نيكسون إلى رومانيا
كان الفتور سمة العلاقات بين الكتلتين الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة و الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق فاترة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى منتصف الستينات من القرن الماضي عندما ظهرت أولى المحاولات وأولى الخطوات الخجولة لكلي الطرفين
Steliu Lambru, 02.07.2013, 11:24
ومن جانبها حاولت رومانيا بزعامة الدكتاتور الشيوعي نيكولاي شاوشيسكو إحياء علاقاتها مع الولايات المتحدة واستقبلت زيارتي رئيسين أمريكيين هما ريتشارد نيكسون في آب أغسطس 1969 و جيرالد فورد مطلع آب 1975 .
الصحفي مرتشا كارب هرب من رومانيا بعد تولي الشيوعيين السلطة بدعم من السوفييت واستقر في الولايات المتحدة حيث انضم إلى فريق محرري إذاعة صوت أمريكا وعين رئاسيا للقسم الروماني و بصفته صحفيا رافق كلي الرئيسيين الأمريكيين في زيارتيهما لبوخارست . وفي عام 1997 تحدث لمحرري مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية عن زيارة الرئيس نيكسون و إدراك الرومانيين لها
” زيارة نيكسون لرومانيا مطلع آب أغسطس عام 1969 كانت الأولى لرئيس أمريكي واعتبرت بداية لمرحلة انفتاح في تاريخ العلاقات الثنائية .. الحقيقة أن المواطنين الرومانيين عقدوا عليها آمالا كبيرة ظنا منهم أنها ستساهم في تحسين الاوضاع الداخلية في البلاد .. ربما ذهب البعض إلى اعتقاد أن الزيارة ستؤدي إلى تخفيف قبضة موسكو على رومانيا … لكني أعرف جيدا أن احدا من المسؤولين الأمريكيين الكبار وأقصد الرئيس نيسكون و موظفي الخارجية الأمريكية لم يلوح إلى إمكانية تغيير الأمور في رومانيا بعد الزيارة .. و لم يشر أي موظف في السفارة الأمريكية في بوخارست إلى احتمال أن تحدث الزيارة تغيير ما في الأوضاع الداخلية في رومانيا … اقتصرت تصريحاتهم على التغيرات التي ستشهدها العلاقات بين الحكومتين الرومانية و الأمريكية بعد الزيارة ..”
استقبل ريتشارد نيكسون في رومانيا استقبال الأبطال وسط أجواء مفعمة بالحماس و الانفعال و مشاعر التعاطف الجياشة إذ لم يخف الرومانيون الذين احتشدوا في الشوارع لاستقباله إعجابهم الكبير به .. و من جابه كان نيكسون متعاطفا مع شاوشيسكو. لنستمع إلى ميترشا كارب من جديد
“انتظر الرومانيون قدوم نيسكون بصدر رحب على ضوء الآمال الكبيرة التي عقدوها على زيارته .. علمت فيما بعد من مسؤولين في وزارة الخارجية الرومانية أن حوالي مليون روماني خرجوا إلى الشوارع لاستقبال نيكسون و تحيته .. لكن الرئيس نيسكون كان هو الآخر متعاطفا مع نيقولاي شاوشيسكو ومعجبا به .. لكن الحقيقة أن نيكسون حاول من خلال هذه الزيارة و المباحثات التي أجراها مع شاوشيسكو تحسين علاقاته مع موسكو اعتقادا منه أن بإمكان الزعيم الروماني أن يساعده .. أعتقد أن نيسكون كان ساذجا حينما تصور أن شاوشيسكو قادر على التدخل لدى السوفييت و أداء مثل هذا الدور المهم ..لكن هذا التصور كان أحد الدوافع وراء توجهه إلى بوخارست .. أما أسباب إعجاب نيكسون بشاوشيسكو فتعود إلى المعاملة الحسنة التي تلقاها من شاوشيسكو قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ففي مطلع ستينات القرن الماضي حاول نيسكون تسحين صورته وتعزيز مركزه السياسي مجددا بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام كيندي عام 1960 ففي تلك الفترة قام بثلاث زيارات لأوربا الشرقية وبالتحديد لوارشو وموسكو و بوخارست .. وفي وارشو استقبله الساسة البولنديون ببرود و في موسكو أدار السوفييت ظهرهم له أما في بوخارست فمد شاوشيسكو السجاد الأحمر تحت قدمي ضيفه الذي كان قد أصبح بعد هزيمته الانتخابية شخصية نكرة في عالم السياسية الدولية .. يبدو أن نيكسون تأثر لم ينس حفاوة الاستقبال الذي حظي به في بوخارست و الذي اعتبره أحد أهم نجاحاته في حملة الترويج لصورته في الخارج التي كان نيكسون يخوضها آنذاك “
بعد ست سنوات من زيارة الرئيس نيكسون حل خلفه جيرالد فورد ضيفا على رومانيا ووصفت زيارته بالناجحة لكنها لم ترق إلى مستوى زيارة سلفه من حيث حماسة الاستقبال الجماهيري له .. ميترشا كارب مرة أخرى
” قدم فورد من وارشو حيث كان قد قام بزيارة قصيرة بعد مشاركته في قمة منظمة الأمن و التعاون في أوربا التي انعتقد في هلسنكي ..و رحب به سكان بوخارست بحرارة وخصصوا له استقبالا جميلا لكن أقل حماسة من استقبالهم لنيكسون قبل ست سنوات .. علمت أن شاوشيسكو نفسه أراد كبش حماس الناس و اتخذ بعض التدابير لمنع خروج حشود الجماهير المواطنين إلى الشوارع و تكرار ما كان حدث أثناء زيارة نيكسون .. وفقا للتقديرات الرسمية كان في استقبال فورد حوالي أربعمائة ألف من سكان العاصمة وهو عدد مهم بالتأكيد لكنه لا يخرج عما هو متعاد في مثل هذه المناسبات .. أعتقد أن الرومانيين فقدوا الكثير من حماسهم خلال السنوات الست التي كانت قد مرت على زيارة نيكسون لأدركوا بأن الولايات المتحدة لم تكن على استعداد لعمل أي شيء يزيد عما تقتضيه مصالحها السياسية وبالتالي لم تكن ترغب في التدخل من أجل تحسين الأوضاع الداخلية في رومانيا “
جاءت زيارتا نيكسون وفورد لرومانيا في سياق محاولات الولايات المتحدة التقريب بين بلدين منتميين إلى نظامين سياسيين و عسكريين متناقضين . لكن التناقضات بينهما كانت من العمق بحيث حالت دون ترجمة تلك المبادرة على أرض الواقع …