رومانيا وتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين
تعرف الرومانيون والأتراك على بعضهم البعض منذ مئات السنين
Diana Baetelu, 20.02.2024, 12:40
تعرف الرومانيون والأتراك على بعضهم البعض منذ مئات السنين وتحديدا منذ القرن الرابع عشر في أوج عملية تأسيس الدولة العثمانية مع وصول الجيوش التركية إلى البلقان . فأولى المعارك بين الرمانيين والأتراك دارت في عام 1369 عندما شاركت جيوش الأمير الروماني فلايكو في معارك ملك المجر لودوفيك الأول ضد جيش السلطات العثماني مراد الأول. ثم ابتداء من القرن الخامس عشر أصبحت إمارتا مولدوفا وفالاهيا الرومانيتان في حالة التبعية للإمبراطورية العثمانية وبقيتا تحت سيطرة العثمانيين لنحو خمسمائة عام إلى حين نيل رومانيا استقلالها عام 1878. بعد حرب الاستقلال التي دارت بين عامي 1877-1878 عادت العلاقات بين رومانيا وتركيا إلى طبيعتها أما اليوم فيربطهما تحالف عسكري واقتصادي مدعوم بالشراكة الاستراتيجية الثنائية التي وقعت عام 2011. وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين كانت رومانيا وتركيا – إلى جانب يوغوسلافيا واليونان — متحالفتين فيما سمي باتفاق البلقان الذي وقع عام 1934 بهدف إنشاء تحالف أمني لمواجهة نظريات مراجعة وتعديل الحدود القائمة بموجب اتفاقيات السلام التي وقعت لدى انتهاء الحرب العالمية الأولى . كما نص اتفاق البلقان على عدم اعتداء أي من أطرافه على طرف آخر ونظم وضع الأقليات العرقية في البلدان الموقعة.
في حفل إطلاق المجلد الثاني من وثائق العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وتركيا بين عامي 1938و1944 تحدث السفير التركي في بوخارست أوزغور كافانجي ألتان عن أهمية البعد التاريخي للعلاقات بين العالمين التركي العثماني والروماني وعن العلاقات الدبلوماسية الجيدة بين رومانيا وتركيا في الفترة ما بين الحربين العالميتين :”لطالما كانت تركيا ورومانيا قريبتين كما كانتا ولا تزالان جارتين وحليفتين . فالحقبة التاريخية التي يتحدث عنها المجلد الثاني شهدت تحالفا وعلاقات قوية جدا بين بلدينا فضلا عن أواصر وطيدة بين زعمائنا وخاصة بين وزيري الخارجية اللذين ربطتهما صداقة وثيقة .. لقد أذهلتني براعة الدبلوماسية آنذاك وقدرتها على رسم صورة دقيقة عن الواقع ولكن ما لم يذهلني هو عمق العلاقات بين بلدينا وها نحن نحيي ذكراها السادسة والأربعين بعد المائة. أعتقد أنها علاقة فريدة من نوعها تتجاوز في الواقع مائة وستة وأربعين عاما .كما أن الإمبراطورية العثمانية كانت ثاني دولة اعترفت باستقلال رومانيا وبعد وقت قصير من نيله . ومنذ ذلك الحين فصاعدا كانت العلاقة الثنائية مبنية على التفاهم والتعاون”.
مما لا شك فيه أن توقيع ما سمي باتفاق البلقان في الفترة ما بين الحربين العالميتين كان أحد أبرز الإنجازات الدبلوماسية لرومانيا وتركيا في وقت كانت فيه أوروبا برمتها والبلقان على وجه خاص مناطق ساخنة رغم انتهاء الحرب . فاستمرار بؤر النزاع في البلقان حدى بالدول التي أرادت الحافظ عل آثار اتفاقيات السلام إلى تشكيل تحالف يتضمن تعهدات أمنية بين الدول الموقعة . المؤرخ إيونوتس كوجوكارو يقدم لنا نبذة عن تاريخ اتفاق البلقان :”يصادف عام 2024 ذكرى مرور تسعين عاما على توقيع اتفاق البلقان – تلك الوثيقة التي كان الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك قد رسم خطوطها العريضة . كان مشروعا إيجابيا بصورة عامة جاء توقيعه عام 1934 بعد سلسلة مؤتمرات بلقانية انعقدت بين عامي 1930 و1933 في كل من أثينا وإسطنبول في وبوخارست وسالونيك . في وقت سابق كانت تركيا قد وقعت اتفاقا مع الاتحاد السوفيتي وأبلغت موسكو برغبتها في الانضمام إلى اتفاق البلقان . في ذلك الوقت كانت العلاقات بين رومانيا والاتحاد السوفييتي مجمدة فسعت رومانيا إلى التقارب مع الاتحاد السوفييتي بواسطة تركيا.”
يقول المؤرخون إن سياسة التحالفات الأمنية الإقليمية بين الدول التي عارضت مراجعة الحدود بهدف تعديلها كانت صائبة إلا أن اتفاق البلقان لم يتح الوقت الكافي لإنشاء آليات العمل والاستجابة الضرورية. المؤرخ يونوتس كوجوكارو :”كانت رومانيا وتركيا دولتين حديثتي النشأة وكانت سياساتهما الدفاعية تهدف إلى مواجهة نظريات تعديل الحدود تماشيا مع تنامي معارضة الدول لتلك النظريات في الفترة ما بين الحربين العالمتين . ولكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية تفككت تحالفات وبنيت أخرى جديدة ما يدل على أن التحالفات تصلح في أوقات السلم في حين أن أوقات الحرب تشهد انهيارها .”
اتفاقية ميونيخ التي وقعت عام عام 1938 ومعاهدة ريبنتروب مولوتوف عام 1939 بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي تسببتا في انهيار التحالفات الإقليمية وجعلت رومانيا وتركيا في معسكرين متناحرين إبان الحرب العالمية الثانية :”تمتعت تركيا بالاستقرار إبان الحرب العالمية الثانية وكان خلف مصطفى كمال أتاتورك – عصمت إينونو من فاوض في لوزان على المعاهدة التي اعترفت بإنشاء جمهورية تركيا.. ولدى انتهاء الحرب وجدت رومانيا تركيا نفسيهما في دائرتي نفوذ مختلفتين لكن العلاقات الودية بينهما استمرت لخدمة المصالح المشتركة .”