تنظيم الأكاديمية الرومانية وفق النموذج السوفييتي بعد الحرب العالمية الثان
فرض السوفييت على بلدان أوروبا الوسطى والشرقية التي احتلها الجيش الأحمر نظاما سياسيا مماثلا لنظام الحكم السوفييتي
Diana Baetelu, 12.12.2023, 14:26
فرض السوفييت على بلدان أوروبا الوسطى والشرقية وروبا الوسطى والشرقية التي احتلها الجيش الأحمر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نظاما سياسيا مماثلا لنظام الحكم السوفييتي . إنها العملية المعروفة بعملية إضفاء الطابع السوفييتي الشيوعي على الدول المعنية من أجل ضمان سيطرة الحزب الشيوعي على المشهد السياسي بمساعدة جهاز شرطوي قمعي من جهة وفرض نموذج الاقتصاد المركزي على تلك الدول ومن بينها رومانيا من جهة أخرى..
لقد خضعت جميع المؤسسات الرومانية لعملية ممنهجة لإضفاء الطابع السوفييتي عليها وكانت من بينها الأكاديمية الرومانية التي تأسست في عام 1866 وضمت إلى عضويتها على مدى الثمانين عاما التالية خيرة العلماء الرومانيين والأجانب .لكن الحكومة الموالية لموسكو التي تولت السلطة في السادس من مارس آذار من عام 1945 قامت بحل الأكاديمية القديمة وتأسيس أكاديمية الجمهورية الرومانية الشعبية التي سميت لاحقا في سبعينيات القرن الماضي بأكاديمية جمهورية رومانيا الاشتراكية .وكان اختيار أعضائها الجدد يعتمد على معايير إيديولوجية صرفة وأهمها اعتناق العقيدة الماركسية والولاء للنظام الشيوعي .. تداعيات حل الأكاديمية القديمة كانت سلبية للغاية إذ تم طرد أو تهميش مائة من أعضائها القدامى وتم اعتقال ثلاثين ممن شغلوا في السابق مناصب وزارية فيما أودع عشرون منهم في سجن “سيغيت” الرهيب المعروف بسجن الورزاء حيث لقي ستة منهم حتفهم ..
أندريا دوبيش الباحثة في متحف سجن “سيغيت ” السابق تعرفنا بمصير بعض من أعضاء الأكاديمية السابقين بعد سجنهم . المؤرخ ألكساندرو ليباداتو انتحر شنقا في السجن في عام 1950 عن عمر ناهز الثالثة والسبعين متأثرا بمعاناته من مرض المعدة ونقص الرعاية الطبية : ” اعتقل إلكساندور ليباداتو ليلة الخامس من مايو أيار عام 1950 بعد مداهمة منزله ومصادرة أجندات تلفونية وبعض الكتب ومن بينها كتاب في تاريخ الولايات المتحدة وأيضا بعض المال إضافة إلى ساعة يد ووثائق شخصية. لم تجد الشرطة أثناء التفتيش أي شيء من شأنه أن يثير انتباه جهاز الأمن فالتقرير الرسمي الذي تم إعداده في ربيع عام 1950 بشأن الأشخاص الذين شغلوا حقائب وزارية ما بين عامي 1918 و1945 أي قبل تولي الشيوعيين السلطة ذكر أن ليباداتو لم يقم بأي عمل أو نشاط يمكن أن يوحي بمعارضته للنظام الشيوعي ومع ذلك وصفه التقرير بالعدو اللدود للنظام الشيوعي ..”
غورغي تاشكا خبير الاقتصاد ووزير التجارة في عام 1932 سجن أيضا في سيغيت :”اعتقل تاشكا وهو في الخامسة والسعبين من العمر ليلة الخامس من مايو أيار عام 1950 وأودع في سجن سيغيت حيث توفي بعد أقل من عام على سجنه في شهر مارس إذار عام 1951 لأن ظروف الاعتقال كانت قاسية جدا بل أسوأ من أن يتحملها سجين مريض .. المؤرخ كونستانتين جوراسكو الذي قضى في سيغيت خمس سنوات قال في مذكرته التي كتبها في السجن إن تاشكا توفي بسبب التهاب رئوي فاقمته حالته الصحية الرديئة ومعاناته الرهيبة في السجن ..أما المحامي ونائب كيل وزارة الخارجية ألكسندرو بوبيسكو نكشيشتي فذكر أنه كان يسمع صوت تاشكا ليلا وهو ينتحب في زنزانته”.
المؤرخ البارز غورغي براتيانو سجن أيضا في سيغيت حيث توفي في عام 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين ولكن ملابسات وفاته غامضة إذ لا يزال المؤرخون يتساءلون عما إذا كان سبب وفاته الضربات في الرأس أم مرض السل الذي كان يعاني منه أم الانتحار:
تعرض غورغي براتيانو لحملة عنيفة شنتها الصحافة الموالية للشيوعيين عليه منذ عام 1944 .في آب أغسطس عام 1947 فرضت عليه الإقامة الجبرية بحجة أن الظروف تقتضي تأمين سلامته . وفي مايو أيار عام 1950 أرسل إلى سجن سيغيت . وقال جوراسكو في مذكرته إنه سمع ذات مرة أصواتا بينما كان براتيانو في الباحة وأدرك أنه يتعرض للكمات وصفعات على أيدي رجال الشرطة .. وقال سجين آخر إن رجال الشرطة أجبروا براتيانو على تنظيف حظيرة الخنازير من البراز باليد وذلك قبل وفاته بيوم واحد.”
الأكاديمي السابق ورجل السياسة البارز يوليو مانيو الذي لعب دورا هاما في قيام الدولة الرومانية الموحدة عام 1918 خضع لمحاكمة صورية قبل الزج به في السجن :
” في نوفمبر تشرين الثاني عام 1947 أدين مانيو بالخيانة العظمى وحكم عليه بالسجن المؤبد فأرسل إلى سجن غالاتي أولا وثم إلى سيغيت عام 1951. كانت حالته الصحية رديئة للغاية وكان يعاني من شلل شبه كامل. “
توفي مانيو في السجن في عام 1953 عن عمر ناهز ثمانين عاما فألقيت جثته في حفرة بمقبرة الفقراء في أطراف مدينة سيغيت . أما أعضاء الأكاديمية السابقون الذين صمدوا لظروف الاعتقال القاسية في سجون النظام الشيوعي وأطلق سراحهم تحت ضغط الرأي العام الدولي بين شهري يونيو حزيران وآب أغسطس من عام 1967 فقضوا السنوات الأخيرة من حياتهم في فقر مدقع وعزلة اجتماعية فيما استمرت السلطات الشيوعية في ملاحقتهم واحتجازهم بشكل مؤقت من حين لآخر للاستجواب وإعداد تقارير حول مواقفهم السياسية ..في عام 1990 أعادت الأكاديمية الرومانية إدراج أسمائهم في قائمة أعضائها الدائمين.