انفصال جهاز الأمن الشيوعي الروماني عن جهاز الكي جي بي السوفييتي
تأسس جهاز الأمن في خمسينيات القرن الماضي إبان تولي غيورغي غيورغيو ديج رئاسة الحزب الشيوعي الروماني ليكون صورة طبق الأصل عن الجهاز السري السوفييتي
Diana Baetelu, 09.11.2024, 15:13
كان جهاز الأمن الشيوعي المؤسسة الأكثر إثارة للخوف إبان الحكم الشيوعي في رومانيا . تأسس جهاز الأمن في خمسينيات القرن الماضي إبان تولي غيورغي غيورغيو ديج رئاسة الحزب الشيوعي الروماني ليكون صورة طبق الأصل عن الجهاز السري السوفييتي الذي تأسس إبان حكم ستالين – وتحول لاحقا إلى جهاز المخابرات السوفييتي المعروف ب” كي جي بي” .
وفي رومانيا كان جمع المعلومات الهدف المعلن من تأسيس جهاز الأمن ولكن ما لم يعلن عنه أبدا أن جهاز الأمن كان أداة للقمع في يد الحزب الشيوعي .وقد ظل جهاز الأمن تحت سيطرة المخابرات السوفييتية منذ تأيسيه وحتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ولكن في أوائل الستينيات أطلق غيورغي غيورغيو ديج ما سمي بـ “سياسة الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي ” مفأخذ النفوذ السوفييتي في رومانيا في التراجع وتحرر جهاز الأمن الروماني من سيطرة الكي جي بي .
كان الجنرال نياغو كوزما ضابطا في مديرية مكافحة التجسس التابعة لدائرة أمن الدولة ورئيسا للأخيرة . في عام 2002 روى في مقابلة مع مركز التاريخ المروي التابع للإذاعة الرومانية قصة الطلاق بين جهاز الأمن الروماني والكي جي بي: ” كان السوفييت أقوياء للغاية في رومانيا وكان لديهم مستشارون وممثلون في الهيئات القيادية سواء في الجهاز السياسي أو في جهاز الأمن. فطيلة تواجدهم في رومانيا كانت كل الأمور والإشكاليات تحل على وجه السرعة ولكن على الطريقة السوفيتية أي بفرض السوفييت أوامرهم على المسؤولين الرومانيين . والجدير ذكره أن خمسينيات القرن الماضي شهدت حملة اعتقالات واسعة سواء بتهم مبررة أو غير المبررة إن لم تكن تافهة تماما في بعض الأحيان .
أما المستشارون السوفييت فكان هناك في كل وزارة وفي كل دائرة أو وحدة مستشار سوفييتي غالبا كان ضابطا في الكي جي بي ومهمته تقديم المشورة للوزير أو المسؤول أو قائد الوحدة بطلب من أولئك المسؤولين . فإذا ظهرت هناك مشكلة تنظيمية أو فنية أو منهجية كان المستشار السوفييتي يقدم حلولا لها اعتمادا على خبرته الواسعة كما قيل. ولكن في الواقع كان المستشارون السوفييت يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة وكانوا يشرفون على شبكات تجسس خاصة بهم نشطت في جميع مؤسسات جهاز الأمن “.
سيطرة السوفييت على المؤسسات الرومانية بما فيها جهاز الأمن لم ترض المسؤولين الرومانيين فحاولوا إيجاد طريقة للتخلص منها . نياغو كوزما من جديد : “ذات مرة اتصل بنا وزير الداخلية دراغيتشي الذي كان غير راض عن تواجد السوفييت في كل مكان وقال لنا : ” يا شباب نظموا لهم برامج سياحية ! إنهم يحبون صيد السمك والمشاوير والرحلات وربما أيضا النساء والفودكا. فأعطوهم ما يحلو لهم وأبعدوهم عن مكاتبكم لكي لا يجلسوا معكم طول الوقت .”
ولكن السوفييت أصبحوا حذرين للغاية بعد أحداث الثورة المجرية المعادية للنظام الشيوعي عام 1956 ولذلك بدلا من مستشار سوفييتي واحد فوجئنا بستة مستشارين في مديرية واحدة . كانوا يركبون على ظهرنا بمعني الكلمة غير أننا لم نعرف ماذا يفعلون بالضبط ولكن ظني أنهم كانوا يجمعون المعلومات . الحقيقة أنني لا أجد أي تفسير آخر لزيادة عددهم خاصة وأن الاتفاقية بين الحكومتين نصت على وجود مستشار سوفييتي واحد لدى كل قائد أو وزير روماني . لم يقدموا لنا أي إيضاحات حول سبب زيادة تواجدهم واكتفوا بالقول بأنهم جاءوا لمساعدة المستشار ولكن الحقيقة أنهم أرادوا أن يكونوا حاضرين لجس نبض المجتمع الروماني بعد الثورة المجرية خشية وقوع أحداث مماثلة في رومانيا أيضا “.
في مطلع الستينيات اعتبر زعيم الحزب الشيوعي الروماني غيورغي غيورغيو ديج أنه تم تجاوز خطوط معينة في العلاقات الرومانية السوفيتية وقرر التخلص من وجود الكي جي بي في رومانيا باستخدام مركز المعلومات والتوثيق التابع لجهاز الأمن . وقد بدأ فريق مكون من ستة ضباط يعملون سرا تحت إشراف نياغو كوزما لتنفيذ المهمة : “بحلول عام 1962 نجحنا في تحديد هوية ثمانين بالمائة من الرومانيين المنضمين إلى شبكة التجسس لصالح السوفييت . وقد أعددنا قوائم بأسماء جميع أفراد الشبكة وأدرجنا في القوائم أيضا أفراد الشبكة القدامى الذين جاءوا إلى رومانيا أو تم إنزالهم بالمظلات إبان الحرب العالمية الثانية وكانوا يتجسسون لصالح الروس . وقدمنا تلك القوائم لزعيم الحزب غورغيو ديج.”
استخدم الرومانيون استراتيجية بسيطة لتفكيك شبكة الجواسيس تلك . فقد قيل لأفرادها أن أنشطتهم معروفة للسلطات الرومانية وعرض عليهم العفو مقابل التوقف عن التعاون مع الكي جي بي. وإلا سيحاكمون بمقتضى القانون الجنائي. وقد قبل معظمهم العرض .
عن المعايير التي اعتمد عليها فريق جهاز الأمن لإعداد قوائم الجواسيس قال نياغو كوزما :”في المرحلة الأولى قمنا بتحديد هوية مائة وثمانين جاسوسا في جميع أنحاء البلاد. وأضفنا إلى هؤلاء آخرين لم نملك أدلة دامغة على تعاونهم مع السوفييت ولكن الاحتمال كان كبيرا أن يكونوا هم أيضا منخرطين في عمليات تجسس لصالح الروس .فكانت الشبهات تحوم بشكل خاص حول الرومانيين الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي وتزوجوا هناك من سيدات روسيات قبل عودتهم إلى رومانيا . الزواج من أجنبيات أمر طبيعي في نظام طبيعي لكنه لم يكن كذلك مع الروس . الخلاصة أننا اعتبرنا الرومانيين الذين تزوجوا من روسيات مشتبها بهم وأجرينا التحريات اللازمة لمعرفة من هن أولائك الروسيات غير أن عددهن لم يكن بقليل .. كانت الروسيات متزوجات من ضباط يتقلدون مناصب عليا في الجيش ووزارة الداخلية . وكان هناك في الجهاز السياسي أيضا الكثير من الرومانيين المتزوجين من روسيات. بالطبع كانوا احترافيين وخبراء متميزين وكثيرون منهم لم يتربكوا أي جريمة بحق الدولة الرومانية ومع ذلك راحوا ضحية لعملية إبعاد رجال السوفييت عن المؤسسات الرئيسية