العلاقات بين رومانيا ويوغسلافيا في عهد تيتو
روجت الدعاية الشيوعية للصداقة بين الدول وخاصة بين دول الكتلة الاشتراكية على نطاق واسع

Diana Baetelu, 26.04.2025, 15:30
روجت الدعاية الشيوعية للصداقة بين الدول وخاصة بين دول الكتلة الاشتراكية على نطاق واسع لما فيها من منفعة متبادلة . لكن دروس التاريخ في الصداقة بين الدول تعلمنا عكس ذلك تماما : فقلما حصلت دولة على مساعدة دولة صديقة في أوقات الأزمات .
قبل عام 1989 كان الرومانيون ينظرون إلى اليوغسلاف بحسد ولم يخفوا إعجابهم الشديد بزعيمهم جوزيف بروز تيتو الذي لاتباعه نهجا ليبراليا في الحكم بخلاف زعماء الدول الاشتراكية الأخرى حيث سمح تيتو لمواطنيه بالسفر إلى غرب أوروبا دون قيود وحرص على توفير السلع الاستهلاكية الأساسية لهم كما سمح للمواطنون بالقيام بأعمال تجارية صغيرة بينما كان الرومانيون على سبيل المثال يعانون جراء الحرمان من الحريات الأساسة والنقص الشديد والمزمن للسلع الأساسية .
وفي ذلك الوقت كانت الخيرات الاستهلاكية اليوغسلافية تنفد بمجرد وصولها إلى الأسواق الرومانية شبه الفارغة . وكان الرومانيون القاطنون جنوب غربي البلاد يلتقطون برامج التلفزيون اليوغوسلافي ويتابعونها بشغف لملء الفراغ الذي تركه التلفزيون الروماني بتقليل ساعات البث إلى ساعتين يوميا فقط . ولكل هذه الأسباب فجرت الأزمة اليوغسلافية والحروب التي أعقبتها مطلع التسعينيات مفاجأة كبرى في رومانيا .
علاقات الصداقة بين رومانيا ويوغوسلافيا بدأت قبل تولي الشيوعيين السطلة في البلدين عام 1945. فكانت رومانيا ويوغسلافيا دخلتا في تحالفات أمنية إقليمية منذ الفترة ما بين الحربين العالميتين ومنها تحالف الوفاق عام 1921 والوفاق البلقاني عام 1934. وكانت ماريا زوجة العاهل اليوغسلافي ألكسندر الأول ابنة العاهل الروماني الملك فرديناند الأول .
إلا أن العلاقات الوثيقة بين رومانيا ويوغوسلافيا تدهورت فجأة في عام 1948 بعد نشوب الخلاف بين تيتو والزعيم الشيوعي السوفييتي ستالين .فقد وقفت كل الدول التي كانت تدور في فلك موسكو بما فيها رومانيا إلى جانب ستالين واستنسخت عنه انتقاداته اللاذعة لتيتو واتهامه بخيانة القضية الاشتراكية والعمالة للإمبريالية الغربية.
الدبلوماسي إدوارد ميزنتشيسكو روى في حديث لمركز التاريخ التابع للإذاعة الرومانية عام 1994 كيف شارك في صيف عام 1949 في عمل عدواني ضد يوغلاسيا بطلب من وزير الداخلية :
“ذات يوم اتصل بي وزير الداخلية ألكسندرو دراغيتشي الذي كان يشرف على القسم الإداري السياسي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروماني وطالبني بالذهاب إلى مدينة أورشوفا المطلة على الدانوب على الحدود بين رومانيا ويوغسلافيا. أخبرني بأن هناك بارجة رومانية مزودة بمكبرات صوت موجهة إلى الضفة اليوغوسلافية للنهر . فذهبت إلى هناك ووقفت أمام أحد مكبرات الصوت وقرأت خطابا مسموما ضد تيتو. لكن اليوغسلاف لم يردوا على ذلك العمل العدواني “.
بعد وفاة ستالين في عام 1953 عادت العلاقات الرومانية اليوغوسلافية إلى طبيعتها. ففي عام 1968 وفي خضم تدخل قوات حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا ضد حكومتها الإصلاحية وهو عمل عارضه الزعيم الروماني نيكولاي تشاوشيسكو بشدة خشيت السلطات الرومانية تدخلا سوفييتيا في رومانيا أيضا على غرارا ما حصل في تشيكوسلوفاكيا وأخذت تبحث عن حلفاء . فصوبت أنظارها إلى تيتو .
الدبلوماسي أيون داتكو كان مبعوثا خاصا للحكومة الرومانية إلى أستراليا وفي عام 1994 تذكر لقاء مع الصحافة : “عقدت لقاءا مع الصحافة فسألوني :” كيف تصمودون في وجه الضغط السوفييتي؟فقلت: “كما صمدنا مئات السنين سنصمد من الآن فصاعدا ” . لم أكن أعرف بالضبط ماذا كان يحدث في أوروبا الشرقية ولكني ظننت أن غزوا سوفييتيا ثانيا لدولة أخرى غير مرجح . أتذكر إحدى ملاحظات تيتو الذي قال مبتسما في لقاء مع الرومانيين : “شكرا لكم لأن عبور الدبابات السوفييتية أراضي رومانيا من حدودها الشرقية مع الاتحاد السوفييتي إلى حدودها الجنوبية الغربية مع يوغسلافيا إن حصل- سيستغرق عشرات الساعات ” . فالمقصود من ذلك الكلام أن رومانيا كانت دولة عازلة بين الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا. ففي ذلك الوقت كان اليوغوسلاف هم الآخرون يخشون توغلا للجيش السوفييتي .”
باول نيكوليسكو ميزيل كان مسؤولا شيوعيا مقربا من نيكولاي تشاوشيسكو. وفي حديث للإذاعة الرومانية عام 1997 تذكر أن رومانيا كانت في عام 1968 وحيدة في مواجهة التهديدات السوفييتية:
“جاء رئيس الوزراء الصيني تشيو إن لاي إلى السفارة الرومانية ووعد بأنه سيفعل كذا وكذا . ولكن في الوقت نفسه قال رئيس الدولة الصينية ماو تسي دون قوله التاريخي بأن “النار لا تطفأ من بعيد”.
أدركنا آنذاك أن الصينيين لن يخاطروا بمصيرهم من أجل رومانيا مهما كانت الصداقة بين البلدين وثيقة فأرسلني تشاوشيسكو إلى تيتو عدة مرات للتباحث . هل تعلمون ماذا قال لي عندما سألته: “ماذا لو واجنها تهديدات واضطررنا للجوء إلى السلاح ؟”. قال أنهم مستعدون لاستقبال القيادة الرومانية ومنحها الجوء ولكنهم لن يعطوهم أي أسلحة – لا حتى سكاكين الجيب. هذا ما قاله تيتو بالحرب الواحد. فلا تحدثوني عن هكذا شجعان “.