العلاقات الدبلوماسية بين رومانيا وألمانيا الاتحادية
ظهور الدولتين الألمانيتين على خريطة أوروبا بعد عام 1945 جاء نتيجة للخلافات العميقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي حول مصير ألمانيا
Diana Baetelu, 25.01.2025, 15:30
ظهور الدولتين الألمانيتين على خريطة أوروبا بعد عام 1945 جاء نتيجة للخلافات العميقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي حول مصير ألمانيا – الدولة التي كانت أشعلت فتيل الحرب حيث أدت تلك الخلافات في نهاية المطاف إلى تقسيم ألمانيا .فكانت ألمانيا الاتحادية الغربية وألمانيا الديمقراطية الشرقية تنظران إلى إحداهما الثانية بعداء شديد دفع ألمانيا الغربية إلى تبني عقيدة هالشتاين التي حظرت إقامة علاقات دبلوماسية مع البلدان التي اعترفت بألمانيا الشرقية . وسرعان ما حذت سائر دول المعسكر الغربي حذو ألمانيا الاتحادية وامتنعت عن إقامة علاقات دبلوماسية مع بلدان الكتلة الاشتراكية بما فيها رومانيا .
لكن الأمور بدأت تتغير ابتداء من النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين. ففي عام 1967 أقامت رومانيا علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الغربية تطبيقا لرؤيتها الجديدة عن العلاقات الأوروبية. وبالتالي قام وزير الخارجية الروماني كورنيليو مانيسكو بزيارة إلى ألمانيا الاتحادية تلتها زيارة رد لوزير الخارجية الألماني الغربي فيلي براندت إلى بوخارست .وقد ساهمت الزيارتان في تحقيق التقارب بين الدولتين .
في عام 1994 أجرى مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية مقابلة مع الدبلوماسي فاسيلي شاندرو تطرق فيها إلى زيارة المسؤول الألماني الغربي لرومانيا: ” بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قام نائب المستشار الألماني فيلي براندت الذي كان يتولى حقيبة الخارجية أيضا بزيارة إلى رومانيا . ففي صيف عام 1966 كانت دول الكتلة الاشتراكية قد عقدت في بوخارست اجتماعا للجنة الاستشارية السياسية لمعاهدة وارسو. وكان البيان الختامي الذي أقرته الدول المشاركة قد نص على عقد مؤتمر أوروبي حول التعاون والأمن في أوروبا كما دعا إلى تطبيع العلاقات بين الدولتين الألمانيتين. وفي ضوء تلك الوثيقة بادرت رومانيا إلى إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع ألمانيا الاتحادية دون استشارة حلفائها . فقد أثار ذلك القرار استياء الاتحاد السوفييتي ودول حلف وارسو الأخرى التي ادعت أن إقامة العلاقات مع ألمانيا الاتحادية كان ينبغي أن تأتي بقرار مشترك لجميع بلدان الكتلة الاشتراكية .”
قوبلت المبادرة الرومانية بالترحيب من قبل ألمانيا الاتحادية :”كان لمبادرة رومانيا صدى إيجابي في ألمانيا الاتحادية وفي مطلع عام 1967 اتخذت الإجراءات الممهدة لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين . وفي وقت سابق كانت رومانيا أقامت علاقات قنصلية وتجارية رسمية مع ألمانيا الغربية وفتحت مكتبا قنصليا وتجاريا في مدينة كولونيا. لذا فكان الوقت قد حان لرفع تلك العلاقات إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي الأعلى. وكانت ألمانيا الاتحادية تعتبر إقامة العلاقات الدبلوماسية مع رومانيا خطوة نحو التخلي عن عقيدة هالشتاين وهي في الواقع خطوة مذهلة في وقت كانت فيه الحرب الباردة بين الكتلين الرأسمالية والاشتراكية في تصاعد مستمر وكانت ألمانيا الغربية ترفض بحزم إقامة أي نوع من الروابط مع الدول التي كانت لها علاقات مع ألمانيا الديمقراطية ولم تكن تعترف بوجود دولة ألمانية ثانية.”
قال فاسيلي سشندرو بأن الانخراط الشخصي لمسؤولي البلدين في تلك المساعي ساهم بشكل كبير في خلق مناخ إيجابي: “في صيف عام 1967 زار فيلي برانت رومانيا واتجه إلى شاطئ البحر الأسود حيث استقبله نيكولاي تشاوشيسكو وأجرى معه محادثة استمرت حوالي خمس ساعات وتناولت قضايا سياسية على وجه خاص لكنها لم تقتصر على بحث الوضع السياسي في أوروبا بل تناولت أيضا العلاقات بين الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والأحزاب الاشتراكية الغربية .
وصل فيلي برانت إلى رومانيا مع زوجته وابنه لارس الذي كان ناشطا في الحركات اليسارية الألمانية . يمكنني القول بأن المسؤول الألماني أضفى على الزيارة صفة شخصية إلى جانب صفتها الرسمية بهدف تعميق التقارب بين البلدين . وقد نظم المسؤولون الرومانيون برنامجا جذابا منفصلا للسيدة براندت ونجلها . وقد نالت الزيارة إعجاب الضيوف الألمان وأتاحت لهم مشاهدة عروض الموسيقى والرقص الشعبيين فضلا عن زيارة بعض المعالم الثقافية والتاريخية والتعرف على رومانيا بشكل أفضل”.
في عام 1997 قال باول نيكولسكو ميزيل الزعيم الشيوعي السابق والذي كان قبل عام 1989 مقربا من دوائر صنع القرار إن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية لم تكن بالأمر السهل : ” استمعت إلى مقابلة تلفزيونية لوزير الخاريجة الروماني الأسبق كورنيليو مانيسكو حول إقامة العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية حيث قال إنه ذهب إلى ألمانيا واجتمع مع براندت الذي قال له : “دعونا نقم علاقات دبلوماسيةفيما بيننا ” فاتفقا وتصفاحا وكان كل شيء على ما يرام ..دعونا نكن صريحين .أني أعرف جيدا كيف سارت الأمور إذ كنت عضوا في هيئة الرئاسة الدائمة. لقد طرح الأمر للنقاش والبحث مرارا وتكرارا لأن أحدا لم يكن يعرف كيف ستكون عليه ردود فعل السوفييت والدول الاشتراكية الأخرى وما إذا كان مثل هذا القرار صائبا أم لا . لذا فاستمرت المناقشات لعدة أيام .وأخيرا غادر وزير الخارجية إلى بون حاملا تفويضا واضحا ببدء الإجراءات اللازمة لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الاتحادية.”
في عام 1967 أصبحت رومانيا ثاني دولة للكتلة الاشراكية أقامت علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الغربية بعد الاتحاد السوفييتي. وقد ساهم ذلك في إعادة بناء علاقات رومانيا مع الساحة الألمانية برمتها.