الثورة المناهضة للنظام الشيوعي في رومانيا
في السادس عشر من ديسمبر عام 1989 تجمع متظاهرون أمام منزل القس البروتستانتي لازلو توكيش في مدينة تيميشوارا ليقفوا سدا منيعا أمام قوات الشرطة التي كانت تحاول إجلاء القس عنوة بغية ترحيله القسري إلى مدينة أخرى . في الأيام التالية اتسعت الاحتجاجات وازدادت حدة وزخما فردت أجهزة القمع ممثلة بالجيش والشرطة بفتحها النار على المتظاهرين بأمر من تشاوشيسكو شخصيا ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين. في الثامن عشر من ديسمبر أعلن عمال المصانع إضرابا عاما بينما كان وسط المدينة يتحول إلى مركز لاحتجاجات عارمة انتزع المتظاهرون أثناءها شعار الحزب الشيوعي من العلم الوطني رددوا نشيد رومانيا القديم الذي تقول كلماته “استيقظ أيها الروماني!” وهو نشيد ثوار عام 1848 الذي كان محظورا في الحقبة الشيوعية وأصبح بعد ثورة ديسمبر نشيد رومانيا الوطني. وفي نفس يوم الثامن عشر من ديسمبر وبعد تفريق المظاهرات في تيميشورا غادر تشاوشيسكو رومانيا متوجها إلى إيران رغم تطورات الأحداث محليا لقناعته العميقة بولاء أجهزة الأمن وحاشيته له . وفي العشرين من ديسمبر عاد تشاوشيسكو من زيارته لإيران وفي مساء نفس اليوم ظهر على شاشات التلفزيون ليلقي خطابا أدان فيه مظاهرات سكان تيميشوارا. وفي نفس الليل عقد اجتماعا مع حاشيته في اللجنة السياسية التنفيذية قرر فيه إقامة تظاهرة شعبية ضخمة دعما له وإدانة لسكان تيميشوارا في اليوم التالي أمام مقر اللجنة المركزية للحزب في بوخارست
Diana Baetelu, 08.01.2024, 13:11
يحمل شهر ديسمبر كانون الأول من كل عام معنى مزدوجا فهو شهر الأعياد الشتوية التي عادة ما تكون أجواؤه مليئة بالبهجة ولكنه أيضا شهر مفعم بالعاطفة والإحساس كونه شهر الثورة التي أطاحت بنظام تشاوشيكو الديكتاتوري وأعادت للرومانيون الحرية والديمقراطية لأول مرة بعد نحو خمسين عاما على تولي الشيوعيين السلطة في البلاد . ورغم مرور أربعة وثلاثين عاما على الثورة وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول الأحداث التي شهدتها رومانيا آنذاك اختلافا شديدا إلا أن أحدا لا يجادل في أن الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر عام 1989 يمثلان لحظة فارقة في تاريخ رومانيا الحديث .. فعلى مدى الأيام العشرة ما بين اندلاع احتجاجات سكان تيميشوارا وإعدام الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته إليينا أطلق الشعب العنان لانتفاضته على نظام حرمه من أبسط مقومات الحياة لتنفجر فجأة الطاقات السلبية التي كانت تراكمت لديه بسبب معاناته الطويلة. أحداث سطرت اللحظات الأخيرة لنظام مجرم وغير شرعي كما سطرت اللحظات الأولى من حقبة جديدة عادت فيها الأمور إلى مجراها الطبيعي ..
في السادس عشر من ديسمبر عام 1989 تجمع متظاهرون أمام منزل القس البروتستانتي لازلو توكيش في مدينة تيميشوارا ليقفوا سدا منيعا أمام قوات الشرطة التي كانت تحاول إجلاء القس عنوة بغية ترحيله القسري إلى مدينة أخرى . في الأيام التالية اتسعت الاحتجاجات وازدادت حدة وزخما فردت أجهزة القمع ممثلة بالجيش والشرطة بفتحها النار على المتظاهرين بأمر من تشاوشيسكو شخصيا ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين. في الثامن عشر من ديسمبر أعلن عمال المصانع إضرابا عاما بينما كان وسط المدينة يتحول إلى مركز لاحتجاجات عارمة انتزع المتظاهرون أثناءها شعار الحزب الشيوعي من العلم الوطني رددوا نشيد رومانيا القديم الذي تقول كلماته “استيقظ أيها الروماني!” وهو نشيد ثوار عام 1848 الذي كان محظورا في الحقبة الشيوعية وأصبح بعد ثورة ديسمبر نشيد رومانيا الوطني. وفي نفس يوم الثامن عشر من ديسمبر وبعد تفريق المظاهرات في تيميشورا غادر تشاوشيسكو رومانيا متوجها إلى إيران رغم تطورات الأحداث محليا لقناعته العميقة بولاء أجهزة الأمن وحاشيته له . وفي العشرين من ديسمبر عاد تشاوشيسكو من زيارته لإيران وفي مساء نفس اليوم ظهر على شاشات التلفزيون ليلقي خطابا أدان فيه مظاهرات سكان تيميشوارا. وفي نفس الليل عقد اجتماعا مع حاشيته في اللجنة السياسية التنفيذية قرر فيه إقامة تظاهرة شعبية ضخمة دعما له وإدانة لسكان تيميشوارا في اليوم التالي أمام مقر اللجنة المركزية للحزب في بوخارست
باول نيكوليسكو ميزيل كان مسؤولا رفيع المستوى في الحزب الشيوعي وتقلد مناصب سياسية هامة كما شغل حقيبة التجارة الداخلية. و في ديسمبر عام 1989 كان نيكوليسكو ميزيل عضوا في في اللجنة السياسية التنفيذية. وفي مقابلة أجراها معه مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية عام 1997 تحدث نيكوليسكو ميزيل عن تنظيم تلك المظاهرة في الحادي والعشرين من ديسمبر وسئل عمن هو الشخص الذي اقترح على تشاوشيسكو حشد الجماهير أمام مقر اللجنة المركزية رغم أجواء التوتر الشديد التي سادت البلاد :
“في عام 1989 لم يكن بإمكان أي من أعضاء اللجنة السياسية التنفيذية أن يطرح اقتراحات على تشاوشيسكو! إذا من هم الذين كان بإمكانهم طرح الفكرة عليه ؟ ربما الأمن والجيش أو ربما أحد رفاقه المقربين لأنه لم يكن يتشاور مع أحد. قلت لتشاوشيسكو أن أسوأ شيء هو أنه لا يتشاور مع الأشخاص الذين يسمون الأشياء بأسمائها. قلت له: “أيها الرفيق تشاوشيسكو أنت تحيط نفسك بأشخاص يفتحون باب مكتبك وقبل أن تنطق بكلمة واحدة يقولون لك أنك على حق وهم لا يزالون على عتبة الباب لم يدخلوا المكتب بعد . عليك أن تحيط نفسك بأشخاص يقولون لك أنك أخطأت إذ كنت مخطئا لأن أولئك الذين يقولون لك دائما أنك على حق سوف يطعنونك في الظهر. لقد قلت له ذلك حرفيا مرات ومرات .”
مظاهرة الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1989 في بوخارست تحولت لدهشة تشاوشيسكو وزوجته إلى تظاهرة احتجاجية صاخبة عبر فيها سكان بوخارست عن كراهيتهم للديكتاتور وزوجته . فقد رددوا هتافات ضد الديكتاتور وأطلقوا صيحات استهجان فغادر تشاوشيكسو وحاشيته شرفة اللجنة المركزية التي كان يلقي منها خطابه .وفي مساء نفس اليوم بدأت أعمال القمع ضد المتظاهرين. وفي اليوم التالي انتحر وزير الدفاع الجنرال فاسيلي ميليا في مكتبه وهو الحدث الذي حسم مصير تشاوشيسكو بحسب باول نيكوليسكو ميزيل: “كان تشاوشيسكو يظن أن الشعب يريده وقد لمسنا ذلك أثناء محاكمته أيضا . في صباح يوم الثاني والعشرين من ديسمبر كان وزير الدفاع ميليا أول من أيقظ تشاوشيسكو الذي كان قد قضى الليل في مكتبه في مقر اللجنة المركزية ليبلغه بوقوع قتلى أثناء الليل أمام فندق إنتركونتيننتال. فسأله تشاوشيسكو: “لماذا يا ميليا؟ من أمرك بإيقاع قتلى؟” أعلم علم اليقين أن الجنرال ميليا بعد أن خرج من مكتب تشاوشيسكو ذهب إلى مكتب مجاور واتصل بوزارة القوات المسلحة ومعاونيه وقال لهم أن الأضاع مأسواية وأن تشاوشيسكو غاضب بسبب وقوع قتلى . أستطيع أن أؤكد لكم أن ما قيل آنذاك من أن ميليا انتحر رميا بالرصاص بسبب وقوع قتلى قول غير صحيح فالجنرال ميليا انتحر رميا بالرصاص ليس ندما عن قتل المتظاهرين أمام فندق إنتركونتيننتال بل لأن تشاوشيسكو ألقى اللوم عليه عن ذلك .”
في الثاني والعشرين من ديسمبر 1989 عام نظم عمال المصانع الكبرى في بوخارست مسيرات ومظاهرات أمام مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي فهرب تشاوشيسكو وزوجته بطائرة هليكوبتر. وفي اليوم التالي ألقي القبض عليهما قرب مدينة تارغوفيتشي جنوبي البلاد . وفي الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1989 جرت محاكمة تشاوشيسكو وزوجته فصدر بحقهما حكم الإعدام .وفي نفس اليوم نفذ الحكم في ثكنة بالمدينة .