الأسرى السوفييت في رومانيا
دخلت رومانيا الحرب العالمية الثانية في الثاني والعشرين من يونيو حزيران عام 1941 إلى جانب ألمانيا النازية وحلفائنا
Diana Baetelu, 07.12.2024, 15:30
دخلت رومانيا الحرب العالمية الثانية في الثاني والعشرين من يونيو حزيران عام 1941 إلى جانب ألمانيا النازية وحلفائنا وشنت معها عمليات عسكرية ضد الاتحاد السوفيتي. ولكن لا بد من توضيح أن الاتحاد السوفييتي كان يعتبر دولة معتدية على رومانيا بعد ضمه منتقطي باسرابيا وشمال بوكوفينا الرومانيتين إلى أراضيه بمقتضى إنذار نهائي موجه إلى الحكومة الرومانية في يونيو حزيران عما 1940 طالبها فيه بتسليم تلك الأراضي . وقام الجيش الروماني أثناء العمليات العسكرية تلك بأسر جنود سوفييت .
فقد أسر الجيش الروماني في الفترة ما بين الثاني والعشرين من يونيو جزيران عام 1941 والثالث والعشرين من آب أغسطس عام 1944 واحدا وتسعين ألفا وستين جنديا سوفييتيا وأرسل اثنين وثمانين ألفا وسبعة وخمسين منهم إلى رومانيا . وقال المؤرخون أليساندرو دوتسو وفلوريكا دوبري وليونيدا لوغين في كتابهم بعنوان “الجيش الروماني في الحرب العالمية الثانية” أن ثلاثة عشر ألفا وستمائة وثمانين من الأسرى السوفييت المحتجزين لدى الجيش الروماني كانوا من أصول رومانية وتحديدا من المناطق التي كان الاتحاد السوفييتي قد ضمها في عام 1940 وأن أكثر من خمسة آلاف ومئتي أسير توفوا في معسكرات الاعتقال وهرب منها أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة من الأسرى الروس.
في الثالث والعشرين من آب أغسطس عام 1944 عندما فسخت رومانيا التحالف مع ألمانيا وانضمت إلى صفوف القوات المتحالفة كان لا يزال هناك في رومانيا أكثر من تسعة وخمسين ألف أسير سوفييتي وبينهم أكثر من ألفين وسبعمائة ضابط وأكثر من سبعة وخمسين ألفا من ضابط صف والجنود . أما التركيبة العرقية للأسرى السوفييت في رومانيا فكان أكثر من خمسة وعشرين ألفا وخمسائة منهم من الأوكرانيين وسبعة عشر ألفا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين من الروس بالإضافة إلى أعراق أخرى مثل الأوزبيك والقوزاق والأتراك والتتار والأرمن والأذريين واليهود والبولنديين والبلغار وغيرهم
وتظهر الوثائق أن الأسرى السوفييت في رومانيا عوملوا وفق القانون الدولي الذي كان ساري المفعول آنذاك . ولكن في بداية الحرب كانت ظروف الاعتقال رديئة وعزي إليها معظم الوفايات ولكن بمجرد إيداع الأسرى في معسكرات اعتقال وتوفير السكن والطعام ومستلزمات النظافة الشخصية والرعاية الطبية لهم تحسنت ظروف الاعتقال بشكل ملحوظ الأمر الذي وثقته تقارير لجان المراقبة التابعة للجيش الروماني . وقد تم استجواب الأسرى السوفييت وسمح لهم بالعمل .
العقيد أنتون دوميتريسكو شارك في عمليات الجيس الروماني ضد ألمانيا النازية التي بدأت في الثالث والعشرين من آب أغسطس عام 1944 حيث قام هو وأربعة من ضباط الصف باعتقال حاكم رومانيا المارشال أيون أنتونيسكو ونائب رئيس الوزراء ميهاي أنتونيسكو.
في مقابلة أجراها معه مركز التاريخ المروي للإذاعة الرومانية عام 1974 تذكر إنه قبل ذلك التاريخ أرسل إلى مركز لأسرى الحرب السوفييتي في مدينة سلوبوزيا لجمع معلومات حيث كانت أجهزة المخابرات الرومانية قد علمت بأن الألمان جهزوا المعتقل لشن عمليات ضد الجيش الروماني في حال قرر الأخير فسخ التحالف مع ألمانيا النازية : “كان هناك في مدينة سلوبوزيا مركز اعتقال كبير للأسرى الروس وكان الألمان قد أسكنوا فيه عناصر لقوات فلاسوف وهي القوات الروسية بقيادة الجنرال فلاسوف التي هربت من الجيش السوفييتي وانضمت إلى القوات الألمانية وقاتل أعضاؤها الجنود السوفييت لابسين الزي العسكري الألماني .علمت أن الألمان أرادوا رداوا أن يتأكدوا من أن تلك القوات لن تتحالف مع الروس مجددا لمحاربة القوات الرومانية لكني كنت قد تعرفت على قوات فلاسوف في القوقاز وأدركت أنها لن تسلم نفسها للسوفييت أبدا خشية الإعدام “.
المهندس ميرون تاسكا عمل في المصنع الفرنسي الروماني في مدينة برايلا وتذكر الأسرى السوفييت العاملين في المصنع :” عملنا في مصنع برايلا مع مجموعة من الأسرى السوفييت ولذلك يمكنني التأكيد أنهم عوملوا معاملة حسنة للغاية .ولم يعملوا على الآلات وإنما في تفريغ وتحميل المواد والتنظيف وبعض الأعمال اليدوية الأخرى .. لكن بمجرد وصول الجيش السوفييتي إلى رومانيا أدرك الأسرى أنهم سيعادون إلى الاتحاد السوفييتي. أتذكر أن أحدهم وهو أوزبكي قال لي أنه لا يريد العودة إلى الاتحاد السوفييتي وطلب مني المساعدة لكي يبقى في رومانيا . كان شابا مجتهدا وهادئا ومنضبطا . وبطبيعة الحال لم أستطع مساعدته . الضباط الروس قاموا بتسجيلهم تمهيدا لإعادتهم إلى الاتحاد السوفييني ولكن ذلك الشاب المسكين لم يكن يريد العودة وربما لم يردها كثيرون آخرون “.
كريستينيل دوميتريسكو كان طالبا في المدرسة العسكرية أثناء الحرب وفي عام 1998 قال إنه تعرف على بعض الأسرى السوفييت قبل عام 1944: ” رأيت بعض الأسرى السوفييت .كانوا يسكنون في مركز لقوات الدرك ويعملون في تنظيف الطرق .في بعض الأحيان كانوا يعملون في بيوت سكان المنطقة مقابل الطعام . ولكن بعد الثالث والعشرين من آب أغسطس عام 1944 كان الأسرى الروس أول من هربوا من رومانيا ليس إلى الاتحاد السوفييي بل إلى أوروبا الغربية .يبدو أنهم أدركوا أن القادم سيكون أسوأ .”