آنا باوكر
تعتبر آنا باوكر شخصية محورية في تاريخ الحزب الشيوعي والحقبة التوتاليتارية في رومانيا للدور الذي لعبته في إيصال الشيوعيين إلى سدة الحكم وإحكام سيطرتهم على البلاد ما بين عامي 1945 و1952
Diana Baetelu, 12.10.2024, 15:30
تعتبر آنا باوكر شخصية محورية في تاريخ الحزب الشيوعي والحقبة التوتاليتارية في رومانيا للدور الذي لعبته في إيصال الشيوعيين إلى سدة الحكم وإحكام سيطرتهم على البلاد ما بين عامي 1945 و1952 ما دفع بعض المؤرخين لاعتبارها الشخصية التي جلبت النهج الستاليني إلى رومانيا . كانت آنا باوكر عضوا في حكومة بيترو غروزا الشيوعية .الموالية لموسكو التي تم تنصيبها في مارس آذار عام 1945 كوزيرة للخارجية ونائبة لرئيس الوزراء كما سبق لها أن تقلدت مناصب عليا في تراكيب الحزب الشيوعي السوفيت
ولدت آنا باوكر عام 1893 في محافظة فاسلوي شرقي رومانيا لوالدين يهوديين متدينين وكان اسمها الحقيقي حنى رابنسون. في عام 1920 تعرفت وهي في فرنسا على الرجل الذي كان سيصبح زوجا لها فيما بعد هو مارتشيل باوكر ذو الأصول اليهودية الذي كان ناشطا شيوعيا راديكاليا وأقنعها بالانضمام إلى الحركة الشيوعية . كما شاركت آنا مع زوجها في أنشطة الكومنترن ولا سيما تلك الهادفة إلى توسيع دائرة نفوذ السوفييت في منطقة البلقان . انضمت آنا إلى عضوية الحزب الشيوعي الروماني منذ تأسيسه في عام 1921 ونشطت فيه كعميلة للاتحاد السوفييتي . وبعد إعلان الحزب الشيوعي حزبا خارجا عن القانون في عام 1922 واصلت آنا العمل الحزبي حتى تم اعتقالها بتهمة القيام بأنشطة غير شرعية ونفيت مع زوجها إلى سويسرا .
بعد عودتها إلى رومانيا اعتقلت مرة أخرى في عام 1935 وبعد إطلاق سراحها في عام 1941 سافرت إلى الاتحاد السوفييتي. أما زوجها مارتشيل الذي كانيضا قد انتقل أيضا إلى الاتحاد السوفييتي فكان في غضون ذلك قد فقد حظوته لدى ستالين وراح ضحية لحملة التطهير واسعة النطاق التي أطلقها الزعيم السوفييني في ثلاثينيات القرن الماضي حيث اعتقل في عام 1938 بهمة التجسس للغرب وأعدم . إبان الحرب العالية الثانية كانت آنا باوكر زعيمة لمجموعة الشيوعيين الرومانيين المنفيين والمعروفة باسم “فصيل موسكو”.
في عام 1994 أجرى مركز التاريخ المروي التابع للإذاعة الرومانية مقابلة مع الطبيب جورجي براتسكو صهر آنا بوكر. وتستحضر جورجي ما جاء في تقرير سوفييتي من إشادات لخصال آنا وانتقادات لنقاط ضعفها: ” التقرير حول آنا باوكر الذي صدر عام 1946 وصفها بأنها الأفضل تدريبا بين قادة الحزب الشيوعي . وجاء فيه أيضا أن الرفيقة باوكر تحظى بنفوذ كبير في الحزب يجعل منها القائد الفعلي المشرف على كافة أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي .
كما أشار التقرير إلى شعبية آنا باوكر لدى الشعب الروماني واستمرارها في العمل كناشطة شيوعية رغم إعلان الحزب الشيوعي حزبا خارجا عن القانون في عام 1922 . علاوة على ذلك أصبحت آنا بعد الحرب رئيسة للمجموعة الشيوعية في البرلمان وأشرفت على التعاون بين الحزب الشيوعي وشرفت علتعاون والأحزاب المشاركة في الكتلة الديمقراطية التي تولت السلطة بعد عام 1945.
كما أشاد التقرير بدورها الفاعل في أعمال الاتحاد النسائي الدولي المناهض للفاشية.أما نقاط ضعفها فأشار التقرير بشكل خاص إلى عدم استغلالها نفوذها بما فيه كفاية لتعزيز الأسس الأيديولوجية والتنظيمية للحزب .”
صعود آنا باوكر إلى أعلى قمة هرم السلطة السياسية بدأ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتشار الجيش السوفيتي في رومانيا . فقد انتخبت سكرتيرة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الروماني وعينت وزيرة للخارجية بعد تنازل الملك ميهاي الأول عن العرش قسريا في الثلاثين من ديسمبر كانون الأول عام 1947.
مطلع الخمسينيات شهد بداية أفول نجم آنا باوكر. ففي عام 1952 أطلق زعيم الحزب الشيوعي الروماني غورغي غيورغيو ديج حملته الهادفة إلى التخلص من خصومه والقضاء على المجموعات المنافسة التي كانت آنا باوكر منضمة إلى واحدة منها إلى جانب بعض من رفاق دربها القدامى .فقد اتهمت آنا بالانحراف إلى اليمين والتورط في أعمال تخريبية ضد الحزب وحكم عليها بالسجن لمدة أربعين عاما . وسجن معها عدد من الأعضاء البارزين السابقين في الحزب .
في عام 1953 تم تحويل عقوبتها بالسجن إلى الإقامة الجبرية وفي العام التالي تم طردها من الحزب. عملت كمترجمة من الفرنسية والألمانية في إحدى دور النشر دون أن يكون لها حق التوقيع. وكانت واحدة من المترجمين الذين أعدوا أول طبعة كاملة لأعمال ماركس وإنجلز باللغة الرومانية.وتوفيت آنا باوكر في عام 1960 عن عمر ناهز السابعة والستين .
بعد وفاة ديج عام 1965 حاول الزعيم الجديد للحزب الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو رد الاعتبار لبعض ضحايا حملة التطهير ولكن غورفي بارتيسكو قال أن آنا بوكر لم تكن من بين الأشخاص الذين أسقطت عنهم التهم الموجهة إليهم :”لم يحاول أحد رد الاعتبار لها . فالشروط التي فرضت عليها أثناء فترة العمل مع دار النشر كانت غير طبيعية تماما إذ لم تكن تحصل على أجرها بشكل مباشر بل كانت عاملة التنظيم تقوم بمساعي ساعي البريد بينها ودار النشر وكانت تسلم لها أجرها وتستلم منها المواد التي كانت تقوم بترجمتها وتحريرها .
اعتبرها زعيم الحزب غورعيو ديج خطرا عليه خاصة بعد تصفية بعض من رفاقها . ولهذا السبب لم يتحدث أحد عن نشاطها السياسي إلا بعد وفاة ديج في عام 1965 .وفي عام 1961 أي بعد عام واحد من وفاة آنا سحبوا منها كافة الأوسمة والميداليهات . يبدو أن حتى ذكراها كانت مثار مخاوف لهم فما بالك برد الاعتبار لها “.
بين عامي 1953و1960 تلقت آنا باوكر زيارت قليلة جدا .. كان أحد الزوار المحامي رادو أولتيانو الذي دافع عن الشيوعيين ومناهضي الفاشية في محاكمات عام 1930 بالإضافة إلى زميل سابق لها في السجن. غورغي بريتيسكو مرة اخرى : “كانت تزوها سجينة سابقة تدعى ماريا أندريسكو . وكانت آنا على تواصل مع بعض الأصدقاء و الرفاق القدامى المعجبين بها . قبل وفاتها بوقت قليل أدخلت إلى مستشفى كولنتينا حيث زارتها أيضا رفيقة سابقة لها . وقد كان أولئك من بين من حضروا تشييع جنازتها .”