هل تغيرت ظروف العمل بعد جائحة كورونا ؟
إذا قرر صاحب العمل فرض العمل من المكتب حصريا فإن أكثر من اثنين وثمانين بالمائة من الموظفين لن يعارضوا القرار رغم اعترافهم بأن العمل من المكتب أقل راحة من العمل من المنزل أو العمل الهجين .
Diana Baetelu, 14.11.2024, 12:10
إذا قرر صاحب العمل فرض العمل من المكتب حصريا فإن أكثر من اثنين وثمانين بالمائة من الموظفين لن يعارضوا القرار رغم اعترافهم بأن العمل من المكتب أقل راحة من العمل من المنزل أو العمل الهجين . إنه الاستنتاج الذي توصل إليه استطلاع للآراء نشرت نتائجه في رومانيا مؤخرا . ففي عام 2024 بقي العمل من المكتب الاتجاه السائد في سوق العمل بحسب نتائج الاستطلاع الذي أجري على عينة تضمنت ألفا ومائة وثمانية وستين موظفا وخلص إلى أن الموظفين يتكيفون بسرعة مع العمل من المكتب مجددا . فقال خمسة وأربعون بالمائة منهم إن العمل من المكتب يسمح لهم بالفصل بين الحياة الشخصية والمهنية بشكل أفضل وقال ثلاثة وخمسون بالمائة إن التفاعل مع الزملاء يمثل السبب الرئيس لتفضيلهم العمل من المكتب . وقال أقل من ثمانية عشر بالمائة من المستطلعة آراؤهم أنهم سيبحثون عن العمل عن بعد أو الهجين إذا فرض عليهم العمل من المكتب فقط وسيستقيلون من وظيفتهم الحالية .
تناولنا هذا الموضوع مع أندرا بينتيكان مؤسسة مدرسة الموارد البشرية والناشطة في مجال الصحة العقلية للموظفين . فقالت أندرا أنها لا تؤمن بالصيغ الحصرية: “لا أومن بالصيغ التعميمية والحصرية لأن ما يصلح لشركة قد لا يصلح لشركة أخرى. أما العودة إلى العمل من المكتب فأعتقد أنه موضوع حساس لكثيرين منا حيث لاخطت تعدد وجهات النظر بشأنه وفق الفقاعة التي ينتمي إليها الأفراد الذين تفاعلت معهم . فقد علمت أن في بعض الشركات جاء اقتراح العودة إلى العمل من المكتب من الموظفين أنفسهم ولكن في شركات أخرى ازداد عدد الاستقالات بعد فرض العمل من المكتب وانخفضت معنويات الفريق بشكل كبير. أعتقد أن أهم من معرفة رأي الموظفين في نظام العمل الذي يفضلونه هي معرفة الاحتياجات الحقيقية لفريق العمل . ولكن هذه الاحتياجات قد لا يفهمها الموظفون بشكل صحيح لذا فأعتقد أننا نحتاج في المقام الأول إلى تقييم دقيق لاحتياجاتهم الحقيقية .”
يقول المختصون إن العمل من المكتب أصبح اتجاها سائدا في سوق العمل لعدة أسباب ومن بينها أن مظهر المكاتب أصبح أجمل وظروف العمل في تحسن مستمر . لكن هذه التغييرات الإيجابية لا تنسحب على كل الشركات .
من جانب آخر تقول أندرا أن تجربة الإغلاق إبان جائحة كورونا زادت من سرعة تكيف الموظفين مع الظروف الجديدة . أندرا بينتيكان:”إذا فرض علينا الإغلاق مجددا اعتبارا من يوم غد فأعتقد أن قرار العودة إلى العمل عن بعد سيتخذ بسرعة نظرا للخبرة التي اكتسبناها أثناء جائحة كورونا لا سيما وأن رومانيا كانت واحدة من الدول الأوروبية التي اتخذت قرار الإغلاق والعمل عن بعد أثناء الجائحة بشكل عاجل بخلاف دول أوروبية أخرى . وحقيقة أن البنية التحتية للإنترنت جيدة جدا في رومانيا ما سمح لنا بالعمل من المنزل بفعالية . لذا فإذا تكرر هذا السيناريو مرة أخرى فأعتقد أن أداءنا سيكون أفضل من المرة السابقة .”
التغييرات التي شهدتها بيئة العمل وخاصة المكاتب منذ جائحة كورونا ليست متجانسة . فقال نحو ستين بالمئة من المستطلعة أراؤهم إن مكاتبهم لم تتغير من حيث المظهر أو المساحة خلال السنوات الأربع الماضية بينما قال أكثر من أحد عشر بالمائة من الموظفين أن مساحة المكتب انخفضت. واشتكى حوالي ثمانية بالمائة من التسهيلات المقدمة لهم وهي أقل حاليا مما كانت عليه قبل الجائحة . وقال أكثر من واحد وسبعين بالمائة من المشاركين في الدراسة أن الشركة التي يعملون فيها لم تنقل مقرها الرئيسي إلى مكان آخر خلال السنوات الأربع الماضية فيما قال ثلاثة عشر بالمائة فقط أنهم يعملون الآن في مقر جديد أكبر وأفضل تجهيزا . وقال ما يقارب سبعة وعشرين بالمائة من المشاركين أن مساحة المكتب ليست مناسبة لتلبية احتياجات الفريق وقال أكثر من ثلاثة وثلاثين بالمائة أن عدد التجهيزات في المكتب قليل جدا .
لقد شهد الكثير منا على مدى السنوات الماضية نقل الشركات لمكاتبها إلى مبان أخرى وذلك على خلفية زيادة الاهتمام بالمباني المستدامة التي تتسم بتكاليف أدنى للمرافق العامة فضلا عن إمكانيات عديدة لتكييف الاستهلاك مع احتياجات فريق العمل . وبموازاة ذلك تراجع الاهتمام بالمباني الواقعة في المناطق التاريخية وفي وسط المدن الكبيرة رغم جمالها لحساب مناطق آخرى وإن كانت أقل جمالا وأكثر بعدا عن وسط المدينة ولكنها أكثر جاذبية من حيث التكاليف . كما أن مراكز المكاتب الجديدة تتميز بتصميم معماري مبتكر وجذاب .
ولكن هل هذا حقا أهم ما يحتاجه الموظفون ؟ أندرا بينتيكان من جديد :”السلامة والراحة والموارد في مكان العمل هي العناصر الأساسية التي تكفل حسن سير العمل إلا أنها غير كافية في عالم اليوم. نريد موظفين متمكنين ونريدهم أن يحققوا مستوى عاليا من الأداء والابتكار لمساعدة الشركة على مواجهة المنافسة الشرسة في السوق. ولكن قد يكون من المناسب أن نتساءل أولا عولا ما إذا كانت البيئة التي يعملون فيها بما فيها المساحة المكتبية والتصميم والتجهيزات المكتبية كفيلة بخلق الظروف المواتية جسديا وذهنيا ليحققوا المستوى العالي من الأداء الذي نتوقعه منهم. فتصميم المكتب لا يجب أن ينم عن الميل إلى الترف بل يجب أن يخلق الظرواف المواتية لتجربة غامرة في مكان العمل من شأنها أن تدخل الموظف في حالة التدفق الذهني بسهولة . ولكن بينما نتحدث عن خلق الظروف المواتية لإدخال الموظفين في حالة التدفق الذهني من خلال التصميم الداخلي للمكتب وما إلى ذلك لا نسنى أنه توجد في رومانيا مكاتب لا تتوفر فيها التدفئة في الشتاء فما بالك بتوفيز القهوة للموظفين . لذلك أقول إنه ينبغي علينا أن نهتم في المقام الأول بضمان راحة الموظفين على أن نمضي فيما بعد قدما في تحسين ظروف العمل باستمرار .”
مفهوم حالة التدفق الذهني الذي طرحه عالم النفس ميهالي تشيكسنتميهاي يشير إلى الاستغراق الكامل للموظف في العمل الذي يقوم به والتركيز عليه لدرجة التماهي معه .
تفضيل الموظفين للعمل من المكتب مرتطب أيضا بعوامل أخرى مثل العمر . فمن الواضح أنه كلما صغر عمر الموظف تزيد رغبته في الخروج من المنزل. أما كبار السن فيفضل البعض العمل الهجين ويفضل البعض الآخر العمل من المكتب لأنه يجبرهم على الخروج من المنزل والبقاء نشطين .