خطر الفقر والإقصاء الاجتماعي في رومانيا
تصنف الأسرة في خانة الأسر المعرضة لخطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي إذا كان دخلها يقل عن ألف وستمائة وتعسة عشر ليو شهريا أي ما يعادل ثلاثمائة وخمسة وعشرين يورو شهريا .
Diana Baetelu, 29.01.2025, 15:30
تصنف الأسرة في خانة الأسر المعرضة لخطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي إذا كان دخلها يقل عن ألف وستمائة وتعسة عشر ليو شهريا أي ما يعادل ثلاثمائة وخمسة وعشرين يورو شهريا وهو المبلغ الذي اعتبر خط الفقر في رومانيا في عام 2023 .
وقد أظهرت تقارير مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات لعام 2023 أن الرومانيين احتلوا المرتبة الأولى بين بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث مدى التعرض لخطر الفقر والإقصاء الاجتماعي باثنين وثلاثين بالمائة من إجمالي عدد السكان يليهم البلغار بثلاثين بالمائة فسكان إسبانيا بستة وعشرين فاصلة خمسة بالمائة فاليونانيون بستة وعشرين فاصلة واحد بالمائة.
من جانب آخر أظهرت دراسة أجرتها منظمة “أنقذوا الأطفال” أن طفلا واحدا من بين كل طفلين رومانيين أي ما يمثل واحدا وأربعين فاصلة خمسة بالمائة منهم يعاني من الفقر ويتعرض لخطر الإقصاء الاجتماعي وهو عدد يزيد مرتين عن المعدل الأوروبي . بيانات أخرى نشرها مكتب الإحصاء الأوروبي تشير إلى أن الفقر بات حالة موروثة في رومانيا وبشكل أكبر مما هو عليه في أي دولة أخرى للاتحاد الأوروبي .
من جهة أخرى فإن نسبة الرومانيين من أبناء الأسر ذات المستوى التعليمي المنخفض الذين يواصلون الدارسة بعد التخرج من المرحلة الثانوية لا تزيد عن أربعة بالمائة وهي ثاني أدنى نسبة بين بلدان الاتحاد الأوربي بعد بلغاريا التي تقل فيها هذه النسبة عن أربعة بالمائة. في المقابل تأتي إسبانيا في المركز الأول في أوروبا من حيث عدد خريجي المرحلة الثانوية من أبناء العائلات ذات المستوى التعليمي المتدني الذين يحصلون على شهادة جامعية بحوالي خمسين بالمائة تليها البرتغال بحوالي ثمانية وثلاثين بالمائة فاليونان بأربعة وثلاثين فاصلة خمسة بالمائة .
فلماذا يا ترى يعيش ثلث الرومانيين في الفقر رغم أن الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع في عام 2023 باثنين فاصلة أربعة بالمائة مقارنة بعام 2022 وكان الرومانيون من بين الأوروبيين الذين يقضون في العمل تسعا وثلاثين ساعة في الأسبوع في حين يبلغ المعدل الأوروبي ستا وثلاثين ساعة في الأسبوع؟ أندري تسارانو – الأستاذ الجامعي في المدرسة الوطنية للدراسات السياسية والإدارية في بوخارست يفسر أسباب هذه الفجوة:
” النمو الاقتصادي في رومانيا تحقق مع تجاهل السياسات الاجتماعية بل كان ضد السياسات الاجتماعية في بعض الأحيان. فإن جيل الألفية هو الذي عارض المساعدات الاجتماعية وكان ضد من وصفهم ب”الضعفاء” وسعى إلى تطهير نفسه من سكان الريف والمدن الصغيرة والمتقاعدين ومن كل من كانوا يمثلون ماضي رومانيا الشيوعي بالنسبة له . ذات مرة شاهدت مشهدا مرعبا في مدينة ياش مسقط رأسي حيث ألقى عدد من الشبان بضع أوراق نقدية بقيمة ليو واحد إلى رجل مسن ثم تفرجوا عليه وهو يحاول جمعها من الأرض. “
أوضح الأسناذ تسارانو أن الجيل الآنف الذكر يتكون من الرومانيين الذين ولدوا بعد عام 1990 أو حتى بعد عام 1985 ويمثلون أوائل أفراد جيل الألفية .إنه جيل يعيش في فقاعة اقتصادية واجتماعية في المدن الكبيرة ناسيا أو متناسيا أن لرومانيا وجها آخر أيضا ويريد قطع أي صلة بالماضي غير أنه لم يفهم شيئا من الماضي . ووصف الأستاذ تسارانو هذا الجيل بأنه جيل الرأسمالية الجديدة الذي يزعجه وجود الجيل الأجيال الأخرى كما أنه الجيل الذي عاصر فترة الانتقال ما بعد الحقبة الشيوعية واكتسب أثناءها سلوكيات استهلاكية مختلفة عن سلوكيات الأجيال السابقة :
“إن جميع السياسات العامة التي اتبعت في رومانيا بعد عام 2004 قامت حصريا على فكرة تحقيق التنمية الاقتصادية . فقد وجهت أموال إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة. والآن تستثمر مبالغ ضخمة لإنشاء الطرق السريعة ولكن المساعدات الاجتماعية ومعها جزءا كبيرا من الفئات الاجتماعية الضعيفة منسية تماما وإذا أعيدت إلى واجهة النقاش إنما لأسباب انتخابية ولتوجيه أصابع اللوم إلى المسؤولين السياسيين.”
ما هي الحلول المناسبة لمعالجة هذا الاختلال الاجتماعي والاقتصادي :
من الواضح أن الحلول سياسية. ولكننا نحتاج إلى كتلة حرجة قادرة على فهم مختلف الفئات الاجتماعية والأجيال . لا أعتقد أن ذلك أمر ممكن لأن كثيرين من أولئك المتخلفين عن الركب الذين ليس لهم عمل مستقر ولم يكملوا مرحلة التعليم الثانوي ويعملون في مجالات هشة وغير مستقرة كقطاع البناء أو خدمات النظافة يتظاهرون في الشوارع اليوم ويؤيدون الحركات الفاشية الراديكالية. فمن الواضح أن الفئات الاجتماعية والأجيال الأخرى لن تمد لهم يد العون لأنها تعتبرهم أعداء لها يريدون “إخراج رومانيا من الاتحاد الأوروبي ومن حلف الأطلسي” بل يريدون “تفجير رومانيا” حسب قولها … هؤلاء الناس لا يريدون تفجير رومانيا ولكنهم بكل بساطة لم يعودوا يطوقون العيش في رومانيا بعد الآن”.
وحمل البورفيسور تسارانو وسائل الإعلام جزءا من المسؤولية عن تعميق الانقسام بين مختلف الفئات الاجتماعية بعد عام 2004 . وقال إن الصحافة أخفقت في توضيح السياق العام للمآسي والسلوكيات المنحرفة والإجرام والتي غالبا تشهدها المناطق المعرضة لخطر الفقر والاقصاء الاجتماعي. فالمناطق التي تسمى بـ”جيوب الفقر” وتستغلها الصحافة في بحثها عن الإثارة هي ذات المناطق المنسية وغيرالمستهدفة من الإجراءات الرامية إلى تضييق الفجوة بين سكانها والسكان المدن الكبيرة .