النظرة النفعية إلى هجرة العمل
وافقت الحكومة الرومانية في عام 2022 على استقبال مائة ألف عامل أجنبي سنويا بحسب البيانات الصادرة عن المفتشية العامة للهجرة

Diana Baetelu, 19.03.2025, 15:31
وافقت الحكومة الرومانية في عام 2022 على استقبال مائة ألف عامل أجنبي سنويا بحسب البيانات الصادرة عن المفتشية العامة للهجرة. فإحصائيات هذه المؤسسة تظهر أن أكبر الجاليات تعدادا والتي حصل أفرادها على تأشيرات عمل في رومانيا هي النيبالية والسينغالية والباكستانية والبنغالية. أما القطاعات التي تحتاج إلى العمالة الأجنبية فهي البناء والبنية التحتية والزراعة وخدمات التنظيف والتخزين والخدمات اللوجستية وصناعة السيارات والضيافة وصناعة الأغذية.
ورغم تزايد العمالة الأجنبية إلا أننا لا نتحدث عن المهاجرين إلى رومانيا للعمل إلا من منظور اقتصادي صرف . لويس إسكوبيدو هو باحث بيروفي يعيش في رومانيا حيث يدرس قضايا العنصرية والتفاعل الثقافي. وقبل قدومه إلى رومانيا عاش وعمل في بولندا وجنوب أفريقيا أما الآن فهو باحث مشارك في مؤسسة الدراسات حول تفاعل الثقافات والهجرة في بوخارست وأيضا في قسم الوحدة من أجل التغيير المؤسسي والعدالة الاجتماعية التابع لجامعة فري ستيت في جنوب أفريقيا. يحدثنا لويس عن النظرة النفعية للمجتمع إلى العمالة الأجنبية في رومانيا.
“النظرة النفعية تعتمد على ثلاثة عناصر . العنصر الأول يتعلق بتوجه رومانيا إلى الغرب وكلنا يلاحظ أن الغرب ينظر إلى هجرة العمل نظرة نفعية ترى في العمالة الوافدة وسيلة مفيدة لحل المشاكل الديموغرافية والاقتصادية. والعنصر الثاني هو نيوليبرالي متفرع من العنصر الأول ويتمثل في نظرتنا إلى الغرب على أنه كتلة متجانسة أكثر تطورا وأفضل منا ونتجاهل تعدد وتنوع الجوانب فيها . كما نعتقد أن الغربيين لا يرون إلا طريقة واحدة لتحقيق التنمية هي اقتصاد السوق أو العولمة “.
أما العنصر الثالث الذي يشير إليه الخبير فيتمثل في أيديولوجيا الطبقة الوسطى التي يتبناها سكان المدن على وجه خاص . فالخطاب الشائع في هذه الأوساط مفاده أن العمل الجاد يزيد من قيمة الإنسان . أو بعبارة أخرى فإذا عملنا بجدية يمكننا الوصول إلى أي مكان ويمكننا أن نحقق النجاح ولكن هذه الرؤية خاطئة بحسب لويس إسكوبيدو لأنها تتجاهل العلاقة بين الخلفية والجنس والتوجه الجنسي والطبقة الاجتماعية من جهة وفرص تحقيق الناجح من جهة أخرى .
سألنا لويس إسكوبيدو عن تأثيرات النظرة النفعية على المهاجرين في رومانيا فقال :
” بصورة عامة نعتبر المهاجر عاملا يمكننا استخدامه ونغفل الجوانب الإنسانية لتواجده في رومانيا بيد أن المهاجرين أناس عاديون تختلف تجاربهم الحياتية من فرد إلى آخر .إلا أننا ننظر إليهم على أنهم مجتمع واحد متجانس جاء رومانيا فقط لتطوير اقتصادنا والعمل ودفع الضرائب وحل مشاكلنا الديموغرافية ونتجاهل أن لديهم أحلاما وعائلات ومشاريع شخصية وما إلى ذلك “.
الرؤية الآنفة التي تتجاهل الفوارق ولا تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة لكل مهاجر تجعل المهاجرين فئة هاشة لا سيما الذين يعانون من مشاكل شخصية والصحية وإساءة المعاملة في العمل .
عن استراتيجيات المهاجرين لمواجهة الصعوبات قال إسكوبيدو:
” من الصعب عليهم أن يدركوا أنهم يواجهون مشكلة فيعزون التعب الذي يشعرون به إلى حجم العمل وهذا ينحسب على جميع المهاجرين. يقولون : “هذا حالنا” ويعتبورن أنفسهم محظوظين لأنهم استطاعوا أن يأتوا إلى رومانيا ولأن حياة غيرهم كثيرين أسوأ بكثيرمن حياتهم . وبذلك يكونون قد أنشؤوا خطاب طمأنة لأنفسهم يساعدهم على العيش هنا بسلام . ولكن في الواقع فإن أوضاعهم تؤثر عليهم والتداعيات – المادية منها على الأقل واضحة للغاية في الحياة اليومية على سبيل المثال -عندما يعودون إلى منازلهم ولا يجدون شيئا في الثلاجة يأكلونه أو لا تتوفر الكهرباء للثلاجة أو يضطرون إلى تقاسم ثلاجة واحدة مع آخرين. وهكذا تظهر الخلافات بينهم والتسلسلات الهرمية التي تحدد من هو الذي يأكل قبل الآخرين ومن عليه الانتظار لاستخدام المطبخ إن وجد . في هذه المرحلة يأخذون في البحث عن الحلول الكفيلة بتفادي الخلافات .على سبيل المثال تناول الطعام في مكان العمل بدلا من تناوله في مطبخ المنزل الذي يتجمع فيه خسمة أو ستة أشخاص . وتدريجيا يبدؤون بإقامة علاقات اجتماعية مفدية لهم . “
يقول إسكوبيدو إنه توجد هناك استراتيجيات لمساعدة المهاجرين يضعها في الأغلب القادة الذين يبرزون في مجتمعاتهم وهي استراتيجيات تهدف إلى إقامة مؤسسات والسعي إلى حماية حقوق المهاجرين ومنحهم الدعم العاطفي أو إيجاد ساحات يحصلون فيها على الاعتراف الثقافي من قبل الثقافة المضيفة. استراتيجية أخرى فعالة هي برأي إسكوبيدو زواج المهاجر من مواطن للمجتمع المضيف “ليس رغبة منه من أجل الحصول على وثائق رسمية بل رغبة في أن يكون جزءا من المجتمع وأن يكون رومانيا”.