الجنس الثاني
أشارت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات لعام 2022 إلى أن نسبة تشغيل النساء في سوق العمل في رومانيا هي الأدنى بين الدول الأوروبية بخمسة وأربعين فاصلة ثمانية بالمائة من النساء العاملات مقابل اثنين وستين فاصلة سبعة بالمائة من الرجال
Diana Baetelu, 25.09.2024, 15:30
أشارت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات لعام 2022 إلى أن نسبة تشغيل النساء في سوق العمل في رومانيا هي الأدنى بين الدول الأوروبية بخمسة وأربعين فاصلة ثمانية بالمائة من النساء العاملات مقابل اثنين وستين فاصلة سبعة بالمائة من الرجال في حين يبلغ معدل تشغيل النساء ثمانية وستين بالمائة في هولندا وسبعة وستبين بالمائة في إستونيا ونحو ستة وستين بالمائة في السويد وخمسة وستين بالمائة في الدنمارك .
فأين يكمن السبب ؟ يعتقد المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين أن السبب يكمن في الطريقة التقليدية لتوزيع المهام على أفراد الأسرة والمتوارثة عن الأجداد لتسند مهمة إدارة شؤون المنزل إلى المرأة حصريا .
أوكتافيان مولدوفان – المحاضر الجامعي في قسم الإدارة والإدارة العامة بكلية العلوم السياسية والإدارية والتواصل بجامعة بابيش بولياي وخبير الموارد البشرية والتمييز بين الجنسين يشرح أسباب الفجوة العميقة بين معدلات مشاركة الرجال والنساء في سوق العمل الرومانية :”أعتقد أن هناك عدة أسباب لتدني معدل توظيف النساء في سوق العمل في رومانيا مقارنة بمعدل توظيف الرجال وبفارق يصل إلى نحو عشرين بالمائة. السبب الأول يكمن فيما يعرف بالعمل المنزلي وفي طبيعته حيث تكون المرأة عادة أكثر انخراطا في الأعمال المنزلية مقارنة بالرجال سواء أتحدثنا عن الأعمال المنزلية التقليدية كالطبخ والغسيل والتنظيف أوعن الاعتناء بالمسنين من أفراد الأسرة أو الأطفال .
من جانب آخر فإن قلة البدائل أو الخيارات المتاحة للأسرة تضطر النساء إلى الاعتناء بالأطفال والمسنين بأنفسهن. وبذلك تكون مسوؤلية الاعتناء بهؤلاء الأشخاص قد انتقلت من الدولة ومؤسساتها المختصة إلى أفراد الأسرة وخاصة النساء ن .
أعتقد كذلك أن هناك إشكاليات تتعلق بوقائع سوق العمل ذاتها ومن بينها جغرافيا الوظائف وفرص العمل والتي غالبا تكون متوفرة في المدن الكبيرة والمتوسطة وحتى في المدن الصغيرة ولكنها قلما تتوفر في القرى . هذا يعني أنه إذا كنت تريد وظيفة ذات راتب جيد أو إذا كنت تريد وظيفة ما بصورة عامة فعليك أن تسكن في مدينة أو أن تكون مستعدا للذهاب إلى مكان العمل في المدينة بشكل يومي– الأمر الذي يمثل عائقا أمام النساء بالنظر إلى كثرة الأعمال المنزلية المنوطة بهن وطول الوقت الذي يقضينه يوميا في القيام بها.
سبب آخر هو عدم وجود سياسات عامة لإعادة إدماج النساء في سوق العمل بعد إجازة الأمومة أو إجازة تربية الطفل أو بعد فقدان الوظيفة لسبب ما وإن وجدت مثل هذه السياسات فهي لم تؤت أكلها . كما أن هناك سببا آخر لهذا التباين الكبير في نسبة التشغيل بين النساء والرجال وهو قلة الوظائف المرنة أو انعدامها بمعنى أن أصحاب العمل قلما يقبلون العمل بدوام جزئي أو العمل من المنزل “.
يبدو أننا تتعلم التمييز منذ الطفولة حيث نسلم بالسلوكيات النمطية القائمة ونستمر في ممارستها حتى بعد بلوغ سن الرشد بحسب أوكتافيان مولدوفان:
” وصول المرأة إلى سوق العمل لا يزال رهينة للأعراف الاجتماعية والثقافية والاجتماعية التي تؤدي مجتمعة إلى أشكال متعددة من التمييز ضدهن في سوق العمل. نتحدث هنا ما يعرف بالتمييز الأفقي وهو عبارة عن سيطرة جنس معين على بعض مجالات العمل أو الأنشطة. على سبيل المثال في قطاعات فإفنففقطاعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية يكون معظم العاملين من النساء .
في المقابل فإن معظم موظفي الشرطة والجيش وبعض مجالات القطاع الخاص هم من الرجال .وهناك أيضا تمييز عمودي يتمثل في التمثيل المحدود أو شبه المعدوم للنساء في المناصب القيادية أو مناصب صنع القرار أو حتى تقييد وصولهن إلى تلك المناصب. فهذا النوع من التمييز موجود فعلا في معظم المجالات والقطاعات بما في فيها تلك التي تمثل فيه النساء غالبية الموظفين .”
يقول الأستاذ أوكتافيان مولدوفان إن جذور التمييز متأصلة في الطفولة وفي أنواع الألعاب والأدوار التي يمارسها الصبيان والفتيات في اللعب : “التمييز سوأ كان عموديا وأفقيا متجذر في أنواع الألعاب التي يمارسها الأطفال وكذلك في الأدوار التي نسندها إلى الفتيان والفتيات منذ الطفولة المبكرة . فالصبيان يلعبون بالسيارات ويتولون دور رجل الشرطة الذي لا بد من أن يكون حازما وأن يؤكد ذاته بينما يجب على الفتيات أن يكن أكثر ليونة ورقة وأكثر ميلا إلى المصالحة وأكثر هدوءا وأن يلعبن بالدمى وكأنهن يعتنين بالأطفال .
فهذه الألعاب والأدوار ذاتها شكلت جذور نظرية المجتمع حول الأعمال المنزلية والمسيرة المهنية ومفادها أن المتوقع من الرجل أن يهتم بمسيرته المهنية في حين أن المطلوب من المرأة أن تهتم بالمنزل وأن تعتني بالآخرين.”
أقرت في رومانيا قوانين وسياسات عامة تهدف إلى الحد من عدم المساواة بين الجنسين ولكن آثارها غير مقنعة بحسب الأستاذ أوكتافيان مولدوفان :”للوهلة الأولى تبدو السياسات العامة والتدابير التشريعية الرامية إلى الحد من عدم المساواة بين الجنسين في سوق العمل جيدة جدا . وهناك أيضا مؤسسات مختصة تعمل على الحد من هذه الظاهرة. كما أن هناك وزارة للأسرة والشباب وتكافؤ الفرص فضلا عن وكالة وطنية لتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل.
وقد أقرت تشريعات أوروبية ووطنية حول المساواة بين الجنسين أو تكافؤ الفرص في سوق العمل بينما توجد إشارات غير مباشرة في قانون العمل وفي الدستور والقوانين الأخرى إلى المساواة بين المرأة والرجل في سوق العمل. ومع ذلك فإن فعالية التشريعات والمؤسسات المختصة لا تزال موضع شك إلى حد ما. فإذا تحدثنا عن الفوارق في الرواتب بين النساء والرجال فإن الأمور تسير على ما يرام لأن فجوة الأجور ليست بكبيرة .
ولكن من ناحية أخرى فإن هناك فوارق في نسب التشغيل بين النساء والرجال فضلا عن تمثيل ضعيف للمرأة في المناصب القيادية. قد يعود ذلك إلى طريقة تطبيق القوانين وهي ناقصة بصورة عامة . فالقوانين موجودة ولكن المؤسسات القوية المدعوة لتطبيقها بشكل صحيح غير موجودة في الواقع . من جهة أخرى فإن التمييز بين الجنسين في سوق العمل لا يزال قائما لأنه يمثل ظاهرة غير شكلية من الصعب رصدها بشكل مباشر. إنه تمييز يحدث خلف الأبواب المغلقة بعيدا عن القوانين والقواعد التنظيمية”.