ظاهرة ديب سيك
إنهارت أسهم شركات أميركية كبرى ومن بينها إنفيديا ومايكروسوفت وميتا في يناير كانون الثاني الماضي بعد أن أعربت شركة ديب سيك الصينية لإنتاج خوارزميات الذكاء الاصطناعي عن شكوكها حول تفوق صناعة التكنولوجيا الأميركية

Diana Baetelu, 17.02.2025, 15:00
إنهارت أسهم شركات أميركية كبرى ومن بينها إنفيديا ومايكروسوفت وميتا في يناير كانون الثاني الماضي بعد أن أعربت شركة ديب سيك الصينية لإنتاج خوارزميات الذكاء الاصطناعي عن شكوكها حول تفوق صناعة التكنولوجيا الأميركية وقوتها التي لا تقهر .وقد تزامن ذلك مع إطلاق شركة ديب سيك نموذجا جديدا للذكاء الاصطناعي يضاحي إداء تطبيق تشات جي بي تي ولكن بتكلفة أقل بكثير. وبعد وقت قصير من إطلاقه أصبح النموذج الصيني منخفض التكلفة التطبيق المجاني الأكثر تحميلا في متجر تطبيقات آبل في الولايات المتحدة متقدما على تطبيق تشات جي بي تي . وشبه مارك أندريسن أحد المستثمرين في وادي السيليكون ومستشار دونالد ترامب إطلاق ديب سيك بإطلاق قمر سبوتنيك الاصطناعي الروسي في عام 1957 عندما فاجأ السوفييف العالم كله بإنجازاتهم التكنولوجية تلك .
ما هي قيمة إنجاز الشركة الصينية وما هي التحديات التي تصحبه؟ فلورين زيرو خبير الإخبار الاستراتيجي لدى المدرسة الوطنية للعلوم السياسية والإدارية : “شخصيا أنظر إلى إطلاق تطبيق ديب سيك على انه بمثابة قتح صندوق باندورا الأسطوري الذي خرجت منه شرور العالم . أقول ذلك نظرا لسهولة الوصول إلى ديب سيك وقوته الهائلة والمخاطر المخفية المترتبة على استخدامه . فتخيلوا صندوق باندورا ولكن هذه المرة على شكل نموذج للذكاء الاصطناعي قوي للغاية يفيض بالمعلومات الواسعة وله قدرات خارقة . ولكن بمجرد فتحه تخرج منه أشياء جيدة وأخرى سيئة .فطبيعته مفتوحة المصدر وأداؤه المذهل يجعلان منه تطبيقا في متناول الجميع وهنا تكمن المشلكة وهي أن تشغيل التطبيق لا رجعة فيه تماما كما كان فتح صندوق باندورا في الأسطورة . فإذا كان الوصول إلى أداة بمثل هذه القوة متاحا للجميع فمنعى ذلك أن إبقاءها وكيفية استخدامها في نطاق السيطرة يكاد يكون ضربا من ضروب المستحيل .
نقطة ضعف التطبيق أالتطبيق التتمثل في إمكانية إخداعه بإعطائه أوامر تسمى مطالبات كسر الحماية تسمح للمستخدمين بالتحايل على القيود المفروضة من قبل مصنعيه بهدف الحصول على إجابات حتى على الأسئلة التي صمم التطبيق لرفضها . فاستخدام ديب سيك من قبل علماء من أجل تسريع البحث العلمي واختراع أدوية جديدة وإيجاد حلول لمشاكل معقدة أمر جيد ولكن إذا أتيح هذا التطبيق لأشخاص لديهم نوايا سيئة فقد يسخدمونه لنشر مشحصاعلومات كاذبة أو صنع برامج حاسوب ضارة أو التخطيط لهجمات وكأننا وضعنا تكنولويجا متقدمة للغاية في يد أي شخص نلتقيه في الشارع دون أن يكون لدينا أي ضمان بأنه سيستخدمها بشكل مسؤول”.
تكلفة تطبيق ديب سيك تقل حوالي ألف مرة عن حجم استثمارات شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية الكبرى.
كيف استطاعت شركة ديب سيك أن تصنع التطبيق بمثل هذه الأسعار المنخفضة؟ فلورين زيرو يقول أن الشركة مدعومة من الدولة الصينية :”إنه رمز لطموحات الصين في أن تصبح رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي وإشارة إلى أن بكين تستثمر أموالا طائلة في هذا المجال وأنها تعقد العزيمة على اللحاق بركب الولايات المتحدة بعد أن كانت الأخيرة متفوقة في مجال الذكاء الاصطناعي ممثلة بشركات مثل أوبن أي إي وغوغل ومايكروسوفت . لكن تطبيق ديب سيك أثبت أن هذا التفوق لم يعد مضمونا وأن الصين تلحق بركب الولايات المتحدة بقوة بينما تتقلص الفجوة بينهما بسرعة.”
نجاح ديب سيك فاجأ الجميع لا سيما وأن الولايات المتحدة عملت جاهدة ومنذ سنوات على فرض قيود على بيع شرائح الذكاء الاصطناعي المتطورة للصين لأسباب تتعلق بالأمن القومي كما قالت .كما أن هناك مخارف من أن بيانات المستخدمين تجمع وتخزن في خوادم بالصين تملكها شركتان صينيتان مسجلتان وهو ما أكدته شركة ديب سيك نفسها . وتلك البيانات هي معلومات الملف الشخصي وطلبات المستخدم والمعلومات التقنية ومعلومات الاستخدام وملفات تعريف الارتباط ومعلومات حول المدفوعات .
فلافيا دوراتش خبيرة الإخباروالتواصل : “هذه البيانات لا تقتصر على ما يعرف عن شخص معين بل تكشف النقاب عن نمط مستخدم الإنترنت . فمن المعروف أنه يمكن التجسس على شخص ما انطلاقا مما يكشفه عنه نشاطه على الإنترنت. ولكن في سياق المنافسة فإن المشكلة تكمن في إمكانية الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات التي يمكن قراءتها كإحصائيات. وهذا يمكن أن تساعد شركة ما على تحسين جودة منتجاتها وخدماتها وأن تصبح أفضل من منافسيها لأن لديها القدرة على الوصول إلى بيانات تسمح لها بتطوير خدمات جديدة اعتمادا على ما تعرفه عن الجمهور المستهدف ورغباته وسلوكه . أما في سياق المنافسة بين الدول فإن الوصول إلى مثل هذا الحجم الكبير من المعلومات يمكن أن يؤدي إلى محاولات تلاعب وتأثير وتدخل عبر استهداف الجمهور برسائل شخصية اعتمادا على ما يعرف عن ملفه الشخصي وسلوكه .”