حق القوة وقوة الحق

أعداد متزايدة من المحللين والخبراء يعتقدون أن ما نشهده اليوم على الساحة العالمية هو انهيار للركائز التي قام عليه النظام العالمي

Diana Baetelu, 07.04.2025, 15:30

كثر  في الآونة الأخيرة   الحديث عن إعادة تشكيل  النظام العالمي   وذلك  في  وقت  أصبحت  فيه   البيئة  الدولية  متقلبة  وشديدة  التذبذب  .فأعداد  متزايدة  من   المحللين  والخبراء  يعتقدون  أن  ما  نشهده  اليوم  على الساحة العالمية  هو  انهيار للركائز التي قام  عليه   النظام العالمي .

فهل  تلعب  إدارة دونالد ترامب  دورا في ذلك  وهي  التي  أثبتت    منذ يومها  الأول   في   البيت الأبيض أن   تصرفاتها غير القابلة  للتنبؤ ؟ فرفع  قيمة  الرسوم الجمركية  على كندا والمكسيك والصين  والاتحاد الأوروبي والحديث عن  ضم غرينلاند  وفكرة   تحويل غزة إلى ريفييرا  الشرق الأوسط فضلا عن  انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس  حول المناخ بالإضافة إلى موقف دونالد ترامب المفاجئ  تجاه  الرئيسين  الأوكراني  فولوديمير زيلينسكي والروسي  فلاديمير بوتين  هي  قرارات لها   تأثير كبير على  العالم أجمع  وتنذر بأن  الأمور  لم  تعد  كسابق عهدها .

الأستاذ الجامعي أندريه تسارانو  يعتقد  أن تبذبذ  العلاقات  الدولية   يوحي بإعادة  تشكيل ما يسمى بالنظام العالمي  :” مفهوم النظام العالمي مفهوم سلبي إلى حد ما لأنه لم يكن  فأل خير  لا قبل الحرب العالمية الثانية  ولا بعدها. أما الآن  فأعتقد أننا  بصدد الانتقال  من النموذج الذي  كان   سائدا  على  مدى   الثلاثين أو الخمسة وثلاثين عاما الماضية  أي من  النموذج  أحادي  القطب الممثل   بالولايات المتحدة  إلى عالم  متعدد  الأقطاب.

فلأول مرة  تقبل الولايات المتحدة بالتعددية القطبية   هذه  بدليل أنها   تقبل  بأن تكون روسيا شريك حوار متساويا  معها   غير أن لا  شيء    يبرر هذا الموقف   لا عسكريا ولا اقتصاديا    وفي الوقت نفسه تحدد الولايات المتحدة   هدفا  آخر  هو الصين  التي أصبحت  من وجهة نظرها   المتمرد الجديد على الصعيد العالمي  .وهذا  يعني أن   النظام  العالمي  الحالي  يمر  بمرحلة  انتقالية  من عالم  أحادي القطب  إلى عالم   متعدد الأقطاب  دون أن يمر  بالقطبية  الثنائية  .  أما  اللاعبون  الدوليون الجدد  فمتوزعون  على  مناطق  أوسع بكثير”.

جاء  في تقرير لبلومبرغ  نشر في فبراير  شباط عام   2023 بمناسبة  الذكرى  الأولى  لبدء  الغزو الروسي لأوكرانيا: “إن الحرب الروسية الأوكرانية  تؤدي  بكل هدؤ  إلى إعادة تشكيل النظام   العالمي لتصبح   الولايات المتحدة والصين  اللاعبين الرئيسيين   على  مشهد  سياسي مغاير سيكون  فيه من التوترات الجيوسياسية والمشاكل ما  يذكر بفترة الحرب الباردة”. وأضاف بلومبرغ  قائلا  : “إذا كان  هذا الوضع الجيوسياسي  يبدو  وكأنه  قد  شوهد من قبل  إنما  لأن النظام العالمي الذي يقام  في أعقاب الحرب في أوكرانيا أشبه  بما كان عليه  إبان  الحرب الباردة. ذلك أن الساحة الدولية  تشهد  حاليا  مواجهة  بين  العالمين  الديمقراطي والاستبدادي  وهو  الوضع  الجيوسياسي   الذي كان يوصف   إبان   الحرب الباردة    ب”ثنائي القطبين هما  واشنطن وموسكو.”

هل  لا يزال  هذا التحليل   صالحا  في الوقت الذي نشهد فيه  روسيا والولايات المتحدة  تتحدثان  بصوت  واحد  مختلف عن صوت  الاتحاد الأوروبي عن قضايا  بالغة  الأهمية ؟ وما مدى تهيؤ  أوروبا  لمواجهة  مثل هذه التطورات  ؟ رئيس الوزراء الفرنسي   قال  مؤخرا في الجمعية الوطنية: “إننا نشهد تحالفا لم يكن   تصوره  ممكنا من قبل  بين بوتن وترامب  يؤدي إلى  تهميش  أوروبا في عقر دارها  . وأضاف  يقول  “إننا نشهد استبدال قانون العادلين  بقانون الأقوياء وهو ما   لم  يتهيأ    الأوروبيون لمواجهته “.

الأستاذ الجامعي يوليان كيفو رئيس مركز تحليل النزاعات والإنذار المبكر : ” الخلاف  حول حق القوة وقوة القانون قديم  ويعود إلى  بدايات  النقاش  حول  ضرورة تنظيم العلاقات الدولية وإخضاعها لقواعد وأصول . وهانحن  نشهد بالفعل العودة إلى سياسة القوة أوسياسة القوى العظمى التي تترجم  على الأرض  في  استخدام القوة في العلاقات الدولية. كما حصل في   عامي  2014 و2022  عندما قررت  روسيا    تنفيذ  مخططاتها في أوكرانيا .

سياسة القوة العظمى تتمثل في  المساومة   بين  اللاعبين   الكبار على حساب الصغار  واعتماد  الواقعية  القاسية  على  طراز  ترامب  اثنين  المتمثل في   مقاربة   الحقائق ليس على أساس  المبادئ والقيم   بل على أساس علاقات القوة بين الدول  والابتعاد عن  الاعتبارات  الأخلاقية . إنه  موقف مغاير  وبروز  عنيف  للأقوياء  الذين   يعتبرون  أن  القواعد والمبادئ والقيم   التي تحكم  العلاقات الدولية  غير صحيحة  بل  تقيدهم  وتعيق خطط التنمية  وفي حالة روسيا  تعيق  مخططات   احتلال  الجيران “.

يقول الأستاذ  كيفو  “إن  الاتحاد الأوروبي ـ وهو سوق كبيرة وغنية للغاية  يحتاج  إلى  إنشاء بعده  العسكري وخلق قدرة متماسكة   على الاستجابة   ودعم القواعد والمبادئ  والقيم  والدفاع  عنها  والدول الأعضاء على الأقل . أما ترامب   فيريد  “مراجعة  العالم القائم  على  قواعد وأصول  ويؤيد سياسة القوة والقوة العظمى   والمساومات مع القوى العظمى الأخرى   سواء على المستوى الأوروبي أو العالمي ” كما يقول البروفيسور كيفو.

في أثناء ذلك   تستمر  “الحرب المروعة للغاية”  على  حد قول  زعيم البيت الأبيض  ويدعي   بأنه قادر على  وقفها    في حين أن  روسيا  بقيادة  بوتن  لا  تسكت  أسلحتها بل تفرض  المزيد من الشروط  بهدف شل قدرة كييف على المقاومة  والصمود.