بناء القدرة على الصمود في مجال الطاقة
عادت مسألة إمدادات الطاقة لأوروبا إلى الواجهة مجددا عقب توقف نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية اعتبارا من مطلع عام 2025.
Diana Baetelu, 13.01.2025, 15:30
عادت مسألة إمدادات الطاقة لأوروبا إلى الواجهة مجددا عقب توقف نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية اعتبارا من مطلع عام 2025. السبب وراء قرار أوكرانيا بعدم تمديد اتفاقية العبور إلى ما بعد الحادي والثلاثين من ديسمبر كانون الأول الماض يكمن في رغبتها في ترك روسيا دون أحد المصادر الرئيسية للأموال التي تمول به غزو أوكرانيا وهو قرار انتقدته سلوفاكيا والمجر الدولتان اللتان تقيمان علاقات جيدة مع موسكو وتعتمدان على الغاز الروسي بشكل كبير .فقالت الدولتان إن قرار وقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا ليس مجرد قرار سياسي بل هو إجراء مكلف للغاية للاتحاد الأوروبي برمته .
على الجانب الآخر اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رئيس الوزراء السلوفاكي بفتح جبهة طاقة ثانية ضد أوكرانيا بطلب من روسيا. ويضاف إلى ما سبق قرار شركة غازبروم الروسية بوقف إمدادات الغاز الطبيعي لمنطقة ترانسنيستريا الانفصالية للناطقين بالروسية في شرق جمهورية مولدوفا اعتبارا من الأول من يناير كانون الثاني الجاري مما أدى إلى توقف محطة كوتشورغان لتوليد الكهرباء الواقعة بترانسنيستريا والتي يسيطر عليها الانفصالييون الروس عن تزويد مناطق أخرى في جمهورية مولدوفا بالكهرباء.
ويذكر أن الكهرباء تنتج حاليا بكميات ضئيلة باستخدام الفحم المستخرج في منطقة دونباس التي احتلتها روسيا والمخزونات الحالية لا تكفي إلا لشهر أو شهرين على الأكثر . ورغم تأثر منقطة ترانسنيستريا بهذه التطورات إلا أنها رفضت المساعدة التي عرضتها عليها جمهورية مولدوفا . كانت السلطات المولدوفية قد أعلنت حالة الطوارئ في مجال الطاقة ونجحت في توفير الكهرباء والغاز الطبيعي للمستهلكين المولدوفيين .
وتشير التقارير التي نشرتها الحكومة المولدوفية إلى أن نصف احتياجات السكان من الكهرباء قد غطتها الواردات من رومانيا التي تعد رابع أكثر الدول استقلالا من واردات الغاز الروسي بعد السويد وإستونيا وأيسلندا.
لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا بوضوح مدى اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الطاقة وأجبرت بروكسل على إيجاد حلول لتقليصه . ففي عام 2021 كانت واردات الغاز الروسي تمثل اثنين وستين بالمائة بحسب تقرير يوروستات لكنها انخفضت بشكل كبير منذ ذلك الحين لا سيما بعد إقرار المفوضية الأوروبية سياسات الطاقة الخضراء .
أمام التحديات الكبرى التي تواجه قطاع الطاقة لا تزال أوروبا تعمل على التخلص من الاعتماد على الطاقة المستوردة من روسيا. فهل ستنجح في ضمان أمن الطاقة رغم تأثره بالحرب في أوكرانيا؟ الصحفي ومحلل عسكري رادو تودور: “نعم – وبدون أدنى شك. كلنا يتذكر التهديدات الروسية التي واجهناها في الشتاء الماضي ومقطع الفيديو الذي صنعته شركة غازبروم لتقول لنا إن أوروبا ستتجمد والأوروبيين سيموتون جراء البرد القارس بعد توقف إمدادات الغاز الروسي. وها نحن أحياء نرزق والمستودعات الأوروبية لا يزال فيها ما بين ثلاثين إلى أربعين بالمائة من احتياطي الغاز في أوروبا .
أما رومانيا فيمكنها تجاوز الشتاء بسلاسة . ربما ستلجأ أحيانا إلى استيراد الطاقة لكن هذا لا يعني التبعية والاعتماد. وإذا تعلمت أوروبا كيف تتخلص من اعتمادها السام على روسيا فإن ذلك سيكون يمثابة مثال للقدرة على الصمود قابل للتطبيق في مجالات أخرى أيضا – على سبيل المثال من أجل التخلص من اعتمادنا على السوق الصينية بذريعة أن اليد العاملة أرخص هناك والأرباح أعلى أو للتخلص من اعتمادنا على الهند وروسيا وما إلى ذلك وهو اعتماد أعتبره نقطة ضعف كبيرة. لذا فعلينا أن نتعلم كيف نستفيد من مواردنا في المجالات الاستراتيجية على الأقل كما علينا أن نتخلص من اعتمادنا على آخرين هم خصوم أيديولوجيون لنا .”
تأتي قدرة أوروبا على الصمود في مجال الطاقة على رأس أولويات جميع المشاريع الأوروبية ولكن الحرب في أوكرانيا حددت توجهات جديدة وفرضت التكيف مع السياق الجيوسياسي الحالي. ولكن مشاريع الطاقة الكبرى قد تتحول في ظل الحرب إلى نقاط ضعف كبرى وحتى إلى سلاح يمكن استخدامه ضد دول وسكان مدنيين بحسب الخبراء.
هل يمكن للمفاعلات النووية صغيرة الحجم أن تكون بديلا مفيدا في مثل هذه الظروف ؟ المحلل رادو تودور:”إنها فكرة ممتازة ومنقذة من وجهة نظري . والحقيقة أن رومانيا هي إحدى الدول القليلة لحلف الأطلسي وفي أوروبا التي تطبق هذه التكنولوجيا وتقدم مثالا جيدا بهذا الصدد. في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات من القرن الماضي أطلقت رومانيا مشروعا للطاقة النووية بالتعاون مع كندا – دولة العضو في حلف الأطلسي الناتو على الرغم أن رومانيا كانت آنذاك دولة شيوعية وعضوا في معاهدة وارسو .وقد شارك في المشروع المهندسون من إيطاليا وهي كذلك دولة عضو في حلف الأطلسي . وقد تم بالفعل إنشاء محطة نووية في بلدة شيرنافودا. أعتقد أن تكنولوجيا المفاعلات النووية صغيرة الحجم ستكون امتدادا طبيعيا للقرار الذي اتخذ آنذاك وستساهم في تحقيق قدرة رومانيا على الصمود وستساعد دولا أخرى مثل جمهورية مولدوفا التي تمر بأوقات صعبة للغاية وتحتاج إلى مساعدة رومانيا”.
تنفيذ هذا المشروع سيساهم في تحقيق الاستقلال الكامل لرومانيا في مجال الطاقة وسيجعل منها مصدرا للطاقة في أوروبا.