صناعة النبيذ في الحقبة الشيوعية
تعود زراعة الكروم في رومانيا إلى العصر القديم
Diana Baetelu, 13.02.2024, 14:23
تعود زراعة الكروم في رومانيا إلى العصر القديم إذ كانت منتشرة في أنحاء مملكة الداك – السكان الأصليين لأراضي رومانيا الحالية فيما كانت صناعة النبيذ حرفة منتشرة على نطاق واسع حيث قال المؤرخ الإغريقي سترابون في إحدى كتاباته في القرن الأول قبل الميلاد أن ملك الداك بوريبيستا قرر حرق الكروم لكبح استهلاك النبيذ . أما في العصر الحديث فقد استمرت زراعة الكروم وصناعة النبيذ في العديد من المناطق ولكن في الحقبة الشيوعية ما بين عامي 1945 و1989 خضعت زراعة الكروم لمقتضيات الاقتصاد المركزي المخطط .
ماريان تيموفتي رئيس منظمة السقاة في رومانيا حدثنا عن صناعة النفيذ في الفترة ما بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي : “كان الجزء الأكبر من النبيذ محلي الصنع للتصدير فقط وذلك من أجل تدسيد ديون رومانيا الخارجية . فكانت محاصيل الكروم وفيرة للغاية ولكن كلما زادت كميات العنب المحصودة تدنت جودة النبيذ. والتفسير يكمن في كمية المعادن التي يستخرجها العنب من الأرض وتتوزع على الحبات التي إن كثرت ينخفض تركيز المعادن فيها كما تنخفض كمية الأنثوسيانين وهي المادة التي تمنح النبيذ ألوانه المميزة. ولكن هكذا كانت آنذاك التوجيهات التي وصلتنا من قيادة الحزب والدولة والتي أعطت الأولوية للكمية على حساب الجودة . فالجدير بالذكر أن نسبة ثمانين إلى تسعين بالمائة من إنتاج النبيذ كانت مخصصة للتصدير لتسديد الديون الخارجية . وكان الاتحاد السوفييتي المستورد الرئيس للنبيذ روماني الصنع وكان يطلب أنواعا معينة منه وخاصة تلك التي احتوت على بقايا الكسر أي إلى السكريات غير المتحولة إلى كحول . فهذه الأنواع تكون نصف حلوة أو شبه جافة وحتى حلوة لكن الروس كانوا يفضلونها على الأنواع الأخرى لأن السكر فيها مفيد لمواجهة الطقس البارد .. وكانوا يطالبون بألا تتجاوز نسبة الكحول في النبيذ اثني عشر فاصلة خمسة بالمائة . لكن الحقيقة أن نيكولاي تشاوشيسكو – زعيم رومانيا آنذاك دمر زراعة الكروم وأقصد زراعة الكروم عالية الجودة بسبب إصراره على زيادة إنتاج العنب على حساب الجودة .. فكان مديرو مزارع الكروم يتقاضون أجورهم حسب كمية العنب المحصودة والتي كان لا بد أن تكون كبيرة .”
مع ذلك أنتجت مزارع الكروم بعض أنوع النبيذ عالية الجودة ولكن ليس لعامة الناس . كانت أنواعا ممتازة في الحقيقة وشاركت في المسابقات الدولية بحسب رئيس جمعية السقاة ماريان تيموفتي:”لقد اشتهرت رومانيا بجودة بعض الأنواع التي كانت تنتج في مزارع صغيرة وبكميات محدودة . فكل مرزعة كروم كانت تخصص قطعة أرض لزراعة العنب بما يضمن إنتاج النبيذ عالي الجودة . كنا نسمي ذلك الإنتاج ب”البرميل الصغير” وكان مخصصا لأشخاص معينين لكن عينات منه شاركت في المسابقات الدولية حيث فازت بميداليات كثيرة .ومع ذلك ترددت البلدان الغربية في استيراد النبيذ من رومانيا خشية الحصول على النبيذ العادي الذي اختلفت صفاته تماما عن صفات النبيذ المعروض في المسابقات الدولية . “
أحد اختراعات مزارع الكروم آنذاك هو ما سمي ب”نبيذ تشاوشيسكو”. كان تشاوشيسكو يحب شرب النبيذ لكنه عانى في السنوات الأخيرة من حياته من مرض السكري. وفي شرق رومانيا في منطقة هوشي على وجه التحديد اخترع الخبراء نوعا معينا من النبيذ خصيصا لمريض السكري :”كان النبيذ المفضل لنيكولاي تشاوشيسكو من إنتاج مزرعة في منطقة هوشي وكان يرسل من المزرعة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في بوخارست مباشرة وسرعان ما أصبح النبيذ الوحيد الذي كان تشاوشيسكو يتناوله وبنصيحة من أطبائه لقلة السكر فيه حتى أطلق عليه ” نبيذ تشاوشيسكو” .. ولكن أثناء الولائم التي حضرها كبار المسؤولين قدمت أيضا أنواع أخرى من النبيذ . على سبيل المثال كانت زوجته إيلينا تفضل النبيذ الأحمر الذي أنتجته بعض المزارع في رومانيا وخاصة النبيذ شبه الجاف ذا الطعم المائل إلى الحلاوة . أما نبيذ تشاوشيسكو فقد تلقت المزرعة التي كانت تنتجه أموالا إضافية من أجل توسيع المساحة المخصصة لإنتاجه إلى أربعين هكتارا بعد أن كان إنتاجه محدودا نسبيا في البداية. وساهمت الأموال التي خصصتها اللجنة المركزية للمزرعة في زيادة إنتاج نبيذ تشواشيسكو”.