الأخوة لابيداتو
كانت الحدود في خيال الإنسان دائماً، حاجزاً، حداً، فراملاً، عقبة تمنعه من المضي قدماً.. كانت هذه حالة الأخوين التوأم إيون وألكساندرو لابيداتو، الاسمان الهامان في التاريخ الروماني خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن اللاحق
Steliu Lambru, 23.12.2018, 13:16
كانت الحدود في خيال الإنسان دائماً، حاجزاً، حداً، فراملاً، عقبة تمنعه من المضي قدماً. ولذلك، كان يميل دائماً إلى تجاوزها، سواء كانت حداً مادياً أو عقلياً. عبر الحدود الحالية لرومانيا، وعلى أراضيها، تواجدت حدود مادية وعقلية على حد سواء، وبالنسبة للبعض كانت أعظم رغبة لديهم تتمثل في عبورها. كانت هذه حالة الأخوين التوأم إيون وألكساندرو لابيداتو، الاسمان الهامان في التاريخ الروماني خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن اللاحق. أندرياس وايلد هو كاتب سيرة الأخوين لابيداتو، حيث يروي قصة التوأمين اللذين سوف يعبران الحدود وسوف يشاركان في اللحظات العظيمة للتاريخ.
ولدا في جنوب ترانسيلفانيا، الواقعة في الكاربات، بين النمسا وهنغاريا من جهة والمملكة الرومانية، التي لم تكن موجودة عند ولادتهما، كانت هناك إمارات رومانية. الحدود الأولى التي يجب مواجهتها هي الحدود الجنوبية. كلاهما كان لديه مشكلة مع هذه الحدود. يعبر ألكساندرو الحدود الغربية، وبعد فترة، يعبر كل منهما الحدود الغربية. وفي النهاية، نجد أنفسنا في وضع تتحرك فيه الحدود .
وُلد إيون وألكساندرو في عام ألف وثمانمئة وستة وسبعين بالقرب من براشوف. والدهم الكاثوليكي وأستاذ اللغات الكلاسيكية، الدكتور في علوم اللغة الكلاسيكية من جامعة بروكسيل، يتركهم، يتيمين بعمر لا يتجاوز السنة والنصف. والدتهما الأرملة بعمر ثمانية عشر عاماً، تتزوج أستاذاً من ياش وتأخذهما معها إلى العاصمة السابقة لـمولدوفا في عام ألف وثمانمئة وخمسة وثمانين. وبعد خمس سنوات، تنفصل عن زوجها الجديد وترسل أولادها إلى ساتشيلي Săcele قرب براشوف، وهما بعمر ثلاثة عشر عاماً. يصطدم الأخوان بالحدود لعدم امتلاكهما جوازات سفر عندما يريدان دخول ترانسيلفانيا، الموجودة حينها تحت السيطرة النمساوية-المجرية. لا يتحمل ألكساندرو الانفصال عن والدته ويعود إلى ياش محاولاً عبور الحدود إلى رومانيا بشكل غير قانوني بمساعدة المهربين. يتم القبض عليه واعتقاله من قبل حرس الحدود، ويتم إرساله إلى جدته بالقرب من براشوف.
يعمل الأخوين التوأم على جانبي جبال الكاربات في مهنتين مختلفتين. يتابع إيون دراسته في الاقتصاد والقانون في بودابست، في حين أصبح ألكساندرو مؤرخاً. يعبر الاثنان الحدود في كلا الاتجاهين، حيث يصل إيون إلى بوخارست من أجل التمرن في بنوك مختلفة، بينما سيذهب ألكساندرو إلى ترانسيلفانيا لحضور مهرجانات قومية مختلفة.
بالنسبة إلى ألكساندرو ، يعني عام ألف وتسعمئة وسبعة عشرعبور الحدود الشرقية لرومانيا. في تموز يوليو عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر، وبصفته سكرتير لجنة المعالم التاريخية، رافق الخزانة الرومانية المرسلة إلى روسيا بالقطار لتكون آمنة. كما يرافق إلى موسكو الإرسالية الثانية من الوثائق والمحفوظات. يبقى في موسكو حتى كانون الأول ديسمبر عام ألف وتسعمئة وسبعة عشر ويكتب مذكراته مشيراً إلى حصول الثورة البلشفية. لكن في كانون الثاني يناير عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، وبعد مغادرة ألكساندرو لابيداتو موسكو، أعلن تروتسكي مصادرة الكنز الروماني. وبعد ذلك، ذهب إلىكييف للقتال جنباً إلى جنب مع زعيم الحركة الوطنية التشيكية توماس مازاريك ورابطة الجنسيات المتعددة في المنطقة النمساوية المجرية، حيث تطوع ألكساندرو لابيداتو من أجل توحيد ترانسيلفانيا مع رومانيا. وسيكون الشخص الذي سيقوم بصياغة الوثائق التي ستقدمها رومانيا إلى مؤتمر السلام بعد الحرب.
بعد عام ألف وتسعمئة وثمانية عشر، سيتم انتخابهما في البرلمان الروماني، يعمل ألكساندرو أستاذاً في جامعة كلوج، بينما يصبح إيون أستاذاً في أكاديمية الدراسات التجارية والصناعية في كلوج. ينتقل انتباه الأخوين نحو الحدود الغربية. ألكساندرو هو عضو في الوفد الروماني الذي سيساعد في باريس في توقيع الهدنة بين الحلفاء وألمانيا، وسوف يقوم بثلاث رحلات إلى باريس للمشاركة في محادثات السلام. ويصبح إيون، مدير البنك، وزيراً للمالية في حكومة أفيريسكو Averescu ، ويتم إرساله إلى برلين لإلغاء الديون الألمانية على رومانيا قبل الحرب. يبقى إيون خارج الحياة السياسية، ويصبح خبيراً تقدره جميع الأحزاب. ولكن في عام ألف وتسعمئة وتسعة وثلاثين بدأت الحرب العالمية الثانية، تلاها إقامة الشيوعية ثم انهيار العالم الذي حلما به والذي بذل من أجله الأخوين لابيداتو كل جهد. يخبرنا : أندرياس وايلد.
في ظل الدكتاتورية الشيوعية، تم القضاء تماماً على الأخوينلابيداتو وذكراهما من الحياة العامة والاجتماعية، وفي النهاية تم القضاء عليهما جسدياً. مات ألكساندرو في سجنه في سيغيت Sighet ، في ليلة القبض على الشخصيات الهامة. كان إيون مريضاً ومات لاحقاً بعد ستة أشهر. وكما يقولون، لا يفترق الشقيقان التوأم، حيث ماتا بفارق عدة أشهر بينهما، وإن ماتا في ظروف مختلفة. لم يكن هذا المصير هو مصيرهما فقط، ولكنه كان بالنسبة للكثير من زملاء جيلهم. هدفهما لبناء الدولة لم يستمر إلا لفترة قصيرة للغاية نحو عشرين سنة فقط. لقد كان عملاً رائعاً والذي أتمّ الآن مئة عام. يُجسّد تاريخ الأخوين لابيداتو قدرة الناس على عبور الحدود من أي نوع. في البداية، إذا فكرنا في الحدود الجغرافية، فقد اجتازا الحدود بين الأخوة. ولاحقاً اجتازا الحدود مع الجيران ثم مع الأجانب. لقد عبرا الحدود الاجتماعية، وهما طفلين، في ظروف سيئة يصعب تصورها، ثم وصلا إلى أعلى المناصب في الدولة. لقد تغلبوا على الحدود الزمنية، وبعد خمسين عاماً من النسيان، ها هي ذكراهم تعود من جديد.
تتداخل في قصة إيون وألكساندرو لابيداتو الأقدار الشخصية والحياة الجماعية. إنها رائعة مثل كثير غيرها، لكنها فريدة بطريقتها الخاصة.