إيوجينيو يورداكيسكو
بعد الزلزال القوي، الذي أدى إلى مقتل حوالي ألف وخمسمائة شخص، عانت بوخارست من تحولات عميقة خلال حكم النظام الشيوعي تحت سلطة نيكولايه تشاوشيسكو
Steliu Lambru, 17.02.2020, 11:00
بدءاً بالعام ألف وتسعمئة وسبعة وسبعين، وبعد الزلزال الأرضي العظيم، الذي أدى إلى موت ما يقرب من ألف وخمسمئة إنسان، عانت “بوخارست” من تحولات عميقة خلال حكم النظام الشيوعي تحت سلطة “نيكولايه تشاوشيسكو”. منذ العام ألف وتسعمئة وتسعة وثمانين، ظهرت كتب ومجلدات تصويرية تُعيد إنتاج صورة بوخارست المفقودة، وتُقارن بين الملامح الحضرية القديمة والواقع الحالي.
في المركز، كان تنظيم المدينة، كما تمت تسميته رسمياً بسياسة الهدم، كله يدور حول قصر الشعب الهائل، قصر البرلمان الحالي، وشارع فيكتوريا، والذي هو اليوم شارع أونيري. كان الطموح لتغيير مدينة بوخارست بشكل غير مسبوق حتى الآن في تاريخ رومانيا، يعني فقدان معالم عالمية ودينية هامة، باستثناء المنازل الخاصة ذات الجمال الاستثنائي.
بلغ عدد الكنائس المتهدمة نحو عشرين كنيسة، من أكثرها أهمية وسمعة، كنيسة “فاكاريشت”، وكنيسة “كوتروتشين”، وكنيسة “الجمعة المقدسة”، وكنيسة “ليني Ienei”. وقد تم نقل اثني عشرة كنيسة أخرى من موقعها الأصلي، لحمايتها من شفرات البلدوزرات، أو أنه تم إخفاؤها وراء كتل الأبنية.
كان الحل المنقذ للآثار في “بوخارست” هو العملية التي تسمى الترجمة، أي نقل المباني لإفساح المجال للشوارع والأسواق الجديدة المزمع تنفيذها. كانت الترجمة عبارة عن عمل فريق من المهندسين بقيادة “إيوجينيو يورداكيسكو”، المدير التقني في معهد بوخارست للتصميم. وهكذا، فإن كنيسة السيدة العذراء، وكنيسة أولاري، وكنيسة ميهاي فودا، وكنيسة السيدة بالاشا، وقصر سينودال من دير “أنتيم” إضافة إلى أبنية أخرى، لم نكن لنراها، لولا عمل ” يورداكيسكو” وفريقه.
في الخامس من كانون الثاني (يناير) عام ألفين وتسعة عشر، توفي “إيوجينيو يورداكيسكو” عن عمر ناهز التسعة وثمانين عاماً. وُلد في مدينة “براييلا” عام ألف وتسعمئة وتسعة وعشرين، وأصبح مهندس بناء في عام ألف وتسعمئة وثمانين، وقد طبّق وهو ورفاقه طريقة نقل الأبنية، والتي يتم استخدامها بنجاح في البلاد ذات الخبرة في مجال البناء لمدة تزيد عن قرن من الزمان. كان الحل المقترح يتمثل في تقوية أساس المبنى، الذي يدعم الأعمدة المسلحة المنتشرة من مكان إلى آخر، وصبّ بلاطة خرسانية تحت الأساس. ومن ثم يتم تجميع أجزاء المبنى بواسطة بعض البكرات تحتها، والتي تم تركيبها على القضبان، ومن ثم يمكن نقلها إلى أي مكان. كان نجاح أسلوبه كبيراً، حيث تم تطبيقها على ثمانية وعشرين مبنىً آخر. ثلاثة من المباني التي تم نقلها، كانت في طريق شتيفان الكبير في بوخارست، خلال حلقة بثت على التلفزيون في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين، ولم يتم إجلاء السكان ولم تتوقف إمدادات الغاز والمياه والكهرباء. في عام ألفين وأربعة، أجرى “إيوجين يورداكيسكو ” مقابلة مع مركز التاريخ الشفهي، التابع لشركة الإذاعة الرومانية ، تحدث فيه عن كيفية تطبيق عملية النقل هذه في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين.
” الأبنية المنقولة من شتيفان الكبير كانت ثلاثة أبنية. كان يجب هدمها أو نقلها. عندما بدأت هذه التقانة بالنجاح تبعاً للنتائج، أتاحت لي أن أنقل تلك الأبنية. يمر من تحتها أنفاق المترو، لذا عليها أن تختفي ببساطة. في هذا العمل، كانت من بين المدعوين “سوزانا غديا”، رئيسة مجلس الثقافة والتربية الشيوعية. بعد أن شاهدت بداية عملية النقل، قالت لي الرفيقة “غديا” في لحظة ما: هل يمكننا زيارة شقة ما؟ أجبتها: أعتقد ذلك، عبرنا الممر الذي كان يفصل بيننا وبين المبنى المتحرك، دخلنا المبنى، واستقلينا المصعد الذي كان يعمل. تلتفت سوزانا غديا المدهوشة إليّ وتقول لي: أنت مجنون كبير! توقفنا في الطابق السادس، دخلنا الشقة وأرادت الجلوس للتأكد من أن لا شيء يتحرك. لم تشعر في المصعد بأي شيء، على الرغم من أن المبنى كان يتحرك. في الشقة طلبت كوباً من الماء، لكن المضيف جلب لنا كؤوساً كثيرة. لم ترغب في شرب الماء، لكن كي تتأكد فيما إذا كان سطح الماء يتحرك أم لا. ولم يتحرك”.
ومع ذلك، فإن إبداع المهندس ” يورداكيسكو” وفريقه لم يرق للزوجان “تشاوشيسكو”. وعلى الرغم من حلّ النقل هذا، أمر “نيكولاي تشاوشيسكو” بهدم بعض الكنائس، كما كان الحال في دير “فاكاريشت”، أو كنيسة الجمعة المقدسة، رغم وجود مساحة كافية للانتقال هناك. وقد شرح ” يورداكيسكو” بالتفصيل كيف تدخل الأخصائيون في قصر السينودال في دير “أنتيم”.
“ في الكنائس، وفي معظم الحالات، قمنا بعمل إطار حامل لحاجتنا إلى شيء يتحمل وزناً أكبر. في أي كنيسة، يظهر ذلك في الجدران الخارجية، الثخينة للغاية. قصر “السينودال” في دير أنتيم، عمل رائع وفوق الوصف. إنه بناء من تسعة آلاف طن، وتم نقله على ثلاثة مراحل. كانت المرحلة الأولى هي التدوير، لإخراجه من محاذاة الأبنية المستقبلية على شارع فيكتوريا. المرحلة الثانية، كانت عملية نقل طولها عشرون متراً. عندما تنفسنا الصعداء، واعتقدنا أننا مستعدون، جاء “تشاوشيسكو” الذي لم يوافق على الموقع. احتجنا إلى التحريك ثلاثة عشر متراً أخرى. وهناك حدث شيء ما مرة أخرى، لكنه لم يكن خطؤنا. في واحد من أبراج الدير كان يوجد مطبخ، وكان هذا البرج هو الأول الذي نقلناه لمسافة أربعين متراً. يجب الحفاظ على هذا البرج الموجود على يسار المدخل، لأنه كان متماثلاً مع البرج الأيمن. وجاء تشاوشيسكو بعد أن انتهينا من العمل، وهو عمل هائل، وأمر بهدم البرج. وقد هدمنا البرج بأيدينا”.
حاول المهندس “إيوجينو يورداكيسكو” وفريقه الحد من الخسائر التي عانت منها بوخارست في ذلك العقد القاسي. وقد نجح إلى حد ما، إلى الدرجة التي كانت ممكنة.