ثمانون عاما على تنصيب حكومة بيترو غروزا الموالية لموسكو
أحد التواريخ سيئة الصيت في تاريخ رومانيا المعاصر هو السادس من مارس آذار عام 1945

Diana Baetelu, 22.03.2025, 15:30
أحد التواريخ سيئة الصيت في تاريخ رومانيا المعاصر هو السادس من مارس آذار عام 1945 . ففي ذلك اليوم فرض المبعوث السوفييتي إلى رومانيا أندريه فيشينسكي تنصيب حكومة جديدة موالية لموسكو برئاسة بيترو غروزا تكونت من ممثلي الأحزاب المنضوية تحت لواء الجبهة الديمقراطية الوطنية بقيادة الحزب الشيوعي الروماني . ويقول المؤرخون أن أحداث السادس من مارس آذار كانت الخطوة الأولى نحو فرض النظام الشيوعي على رومانيا وأن حكومة غروزا لعبت دورا هاما في تحويل رومانيا إلى دولة سوفيتية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ومن دولة حرة وديمقراطية إلى دولة يحكمها نظام قمعي استبدادي .
قامت حكومة غروزا بتأميم وسائل الإنتاج والمنشآت والممتلكات الخاصة بمختلف أنواعها بما فيها العقارات فضلا عن قيامها بتعديل القوانين الاقتصادية وحل بعض الأحزاب السياسية والسماح للمحاكم بالزج بمئات الآلاف من الأبرياء في السجون .
تنصيب الحكومة الموالية لموسكو في السادس من مارس آذار عام 1945 سبقته أعمال شغب مدبرة من قبل الشيوعيين بهدف زعزعة الاسقرار واصطناع أزمة . حيث أدت مظاهرات الاحتجاج على حكومة نيكولاي راديسكو التي نظمتها مجموعات من أعضاء الحزب الشيوعي في شهر فبراير شباط إلى تردى المناخ السياسي بشكل كبير.
في عام 1976 أدلى كونستانتين فيشويانو الذي كان وزيرا للخارجية في حكومة غروزا بحديث لراديو أوروبا الحرة تحدث فيه عن الضغوط التي مارسها المبعوث السوفييتي أندري فيشينسكي على الملك ميهاي الأول مطالبا إياه بإقالة رئيس الوزراء راديسكو :
” وصل الجوصل فيشينسكي إلى بوخارست في السادس والعشرين من فبراير عام 1945 وسط أجواء مشحونة بالتوتر بسبب اضطراب المشهد السياسي . أبلغتني السفارة السوفيتية بأن السيد فيشينسكي يرغب في لقاء الملك في اليوم التالي. ورغم أن الطلب قدم لي بطريقة غير لائقة إلا أنني نصحت الملك باستقباله .
وفي اليوم التالي حضرت اللقاء الأول بين فيشينسكي والملك حيث عرض فيشينسكي للوضع في رومانيا من وجهة نظره مدعيا زورا وبهتانا بأن الحكومة ليست ديمقراطية بما فيه الكفاية ولا تسيطرعلى الجماهير ولا تبذل ما يكفي من الجهود لتخفيف حدة التوتر. الخلاصة أن حديثه كان محض أكاذيب بهدف واضح هو تبرير مطلبه بإقالة الحكومة وتنصيب حكومة جديدة بأسرع وقت . ومع ذلك جرى اللقاء في أجواء سلمية ودية .”
لم يهرع الملك إلى إقالة رئيس الوزراء راديسكو بل حاول شراء الوقت ولكن فيشينسكي لم يقبل أي تأخير . لذلك كان اللقاء الثاني بين المبعوث السوفييتي والملك أقل ودا بكثير من اللقاء الأول. كنستنتين فيشويانو: “في السابع والعشرين من فبراير طلب فيشينسكي أن يجتمع مع الملك من جديد. حضرت أيضا ذلك اللقاء فإذا بفيشينسكي يتحدث بلهجة حادة ويقول نيابة عن الحكومة السوفييتية بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو. وقال : ” لا بد لجلالتكم أن تتدخلوا بشكل عاجل لتضعوا حدا لهذا الوضع غير المقبول بتنصيب حكومة أكثر ديمقراطية”. بل ذهب إلى أبعد من ذلك وطالب الملك بإجبار راديسكو على الاستقالة على الفور – كما قال . فدافع الملك عن حكومة رئيس الوزراء راديسيكو أمام المبعوث السوفييتي وقال له إنها حكومة ديمقراطية بكل المقاييس لأنها تضم ممثلين عن أهم الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي وتحظى بدعم الأمة الرومانية برمتها . ورد فيشينسكي على الملك قائلا بأن حكومة راديسكو ليست ديمقراطية لكنه لم يقدم أي أدلة أو مبررات لدعم مزاعمه .
شرحت لفيشينسكي الآلية السياسية والدستورية في رومانيا وقلت له إن نظام الحكم في رومانيا هو الملكية الدستورية وأنه لا يحق للملك أن يعين أعضاء الحكومة طالما أن هذه المهمة تعود إلى الأحزاب السياسية. ولكن فيشينسكي أصر على ضرورة تشكيل حكومة تمثل الشعب على حد تعبيره بأسرع وقت ثم خرج وانصرف .
اللقاء الثالث بين المبعوث السوفييتي فيشينسكي والملك كان بداية النهاية للديمقراطية في رومانيا . كونستنتين فيشويانو. مرة أخرى : “في اليوم التالي طلب فيشينسكي مقابلة جديدة مع الملك. ولكن بخلاف اللقاءين السابقين كانت لهجة فشينسكي حادة للغاية. فقال: “جئت لأتطلع على قرار جلالتكم” فأجاب الملك بأنه أبلغ الحكومة بمطالب المبعوث السوفييتي وأن مفاوضات جارية بين ممثلي الأحزاب. وقال فيشينسكي: “هذا لا يكفي . فحكومة راديسكو هي حكومة فاشية برأيي ويجب إسقاطها .
ثم حذر من خطورة الوضع وطالب بتنصيب الحكومة الجديدة بحلول الساعة السادسة مساء من ذلك اليوم أي في غضون الساعتين التاليتين .وأخيرا وقف أمام الملك وضرب بقبضته المائدة ثم خرج مصقفا الباب خلفه لدرجة أن الجدار حوله تصدع .وهكذا انتهى اللقاء الثالث. حاولت فيه أن أفهم فيشينسكي مرة أخرى أن الملك لا يستطيع إقالة الحكومة وعليه أن يتباحث الأمر مع زعماء الأحزاب التي تشكلها. فأجاب فيشينسكي أنه لم يأت إلى القصر للتحدث مع وزير الخارجية .
اتصلت بالإنجليز والأمريكيين وأخبرتهم بموقف المبعوث السوفييتي الذي كان يتحدث نيابة عن لجنة الرقابة المكونة من ممثلي القوى المتحالفة إبان الحرب . ولكن السياسة التي اتبعها الأميركيون والبريطانيون في ذلك الوقت لم تساعدنا كثيرا للأسف”.
وكان تعيين بيترو غروزا على رأس حكومة مقبولة للشيوعيين الثمن الذي دفعته رومانيا لتجنب إراقة الدماء. ولكن بعد أيام قليلة على تنصيب حكومة بيترو غروزا عادت السلطات الرومانية إلى شمال ترانسلفانيا بعد أن كانت قد أجبرت على التنازل عنها لصالح المجر في عام 1940 بموجب اتفاق بين وزيري الخارجية الألماني و الإيطالي حول الحدود بين رومانيا والمجر.